تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مخاوف من عودة السياسة الحمائية

شؤون سياسية
الثلاثاء 5-1-2010
توفيق المديني 

في مواجهة خطر انهيار النظام المالي العالمي بعد إفلاس بنك «ليمان براذرز» اجتمع قادة البلدان الأكثر تصنيعاً في العالم مجموعة العشرين الشهيرة التي تشكل أكثر من 80 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي،

واجتمعت ثلاث مرات ما بين تشرين الثاني 2008 وأيلول 2009، وتوصلوا إلى وضع «الأنانيات القومية» بين مزدوجين، أي منع لجوء الدول إلى تطبيق السياسات الحمائية، إذ عملوا على ضخ الأموال العامة في البنوك، مع تقديم ضمانات للقروض بين البنوك، وطرحوا مخططات ضخمة لمعالجة الأزمة المالية العالمية المستحكمة أكثر من اهتمامهم بالخطوات الاصلاحية للنظام المالي العالمي والتشريعات الخاصة بانجاز معاملات الأسواق المالية.‏

وكان باريت سيريدان وستيفان ئيل اعتبرا السياسة الحمائية هي مصدر الخطر الأول على الاقتصاد العالمي، وأنها قد تؤدي إلى انتشار الكساد، على ما حصل في ثلاثينيات القرن الماضي، إثر إقرار الولايات المتحدة قانون هيربرت هوفر الذي رفع التعرفات الجمركية 60 في المئة ورمى القانون هذا إلى حماية السوق الداخلية، وتقليص معدلات البطالة. ولكن النتائج أظهرت أن مخاطر السياسات الحمائية تفوق مخاطر الانهيارات المالية، والقروض السكنية الهالكة، وبعض خسائر شركات بطاقات الائتمان (نيوزويك الأميركية في 3/12/2009) بالنسبة للأسواق المالية كانت سنة 2009، سنة جديدة لأزمة محيرة جداً ومن أجل تفادي كارثة أزمة الثلاثينيات من القرن العشرين لجأت البنوك المركزية في أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وبلدان أخرى إلى وضع وسائل مستحدثة ففتحت بوابات القروض على مصر اعيها، بعد أن تم إرجاع معدلات الفائدة الموجهة إلى الصفر أو تكاد، من أجل الإفساح في المجال للشركات والأسر للتمويل اليسير واستخدمت البنوك المركزية وسائل أكثر جسارة أيضاً في سنة 2009، في نظر بعض المحللين.‏

بيد أن الأسئلة تعددت فيما يتعلق بالمنحى الذي ستتخذه الأحداث في سنة 2010 ولا سيما بعد أن ذهبت البنوك المركزية بعيداً؟‏

بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) طالب في شهر آذار الماضي بالبدء في إعادة صياغة النظام المالي لبلاده في إطار مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تواجه الولايات المتحدة منذ عقود وعرض بن برنانكي رؤيته لتعديل واسع لطريقة تنظيم وإدارة المؤسسات المالية، مطالباً بالتركيز على الكيانات المالية ذات الأهمية «المحورية» للنظام المالي كله التي يمكن أن يؤدي فشلها إلى انهيار تام للاقتصاد الأميركي وقال إنه يجب إخضاع التخليق النقدي الذي يكمن في إعادة شراء مباشرة سندات الخزينة الأميركية بما في ذلك شراء أصول متعثرة من بعض البنوك من قبل الاحتياطي الفدرالي.‏

وكانت النتيجة أنه في ظل بضعة أشهر، انتقلت ميزانية الاحتياطي الفدرالي من 1000 مليار دولار إلى 2000 مليار دولار وتحول البنك المركزي الأميركي فعلياً إلى نوع من صناديق التحوط.‏

وفي سؤال طرح على برنانكي: هل ستؤدي إجراءات الاحتياطي الفدرالي إلى ارتفاع معدلات التضخم في المستقبل؟ أجاب برنانكي إن نطاق وحجم أعمال الاحتياطي الفدرالي، وإن كانت ضرورية ومفيدة في رأيه، قد تركت البعض يشعر بعدم الارتياح على كل حال، ذلك أن عمليات شراء الأصول والقروض قد تسببت في تزايد ميزانية الاحتياطي الفدرالي لأكثر من الضعف، من أقل من 900 مليار دولار قبل بدء الأزمة، إلى نحو 2.2 تريليون دولار اليوم وقد أدى التوسع غير المسبوق في الميزانية ومعدل الفائدة (لمدة ليلة) القريب من الصفر إلى إثارة السؤال الأكثر تداولا وهو هل ستؤدي إجراءات الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على الأزمة إلى ارتفاع معدل التضخم في المستقبل في الولايات المتحدة؟ (مدونة اقتصاد الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي بن برنانكي يجيب عن أكثر الأسئلة طرحاً في الولايات المتحدة أيلول 14، 2009).‏

ويبدو أن الأسواق المالية العالمية تسرعت في اعلان انقضاء أسوأ فصول أزمة القروض ففي الأشهر الثمانية الأخيرة، انبعثت حركة النمو في أسواق الأسهم غداة في اطمئنان المستثمرين إلى أن العالم لن يشهد أزمة كبرى بعد افلاس مصرف «ليمان براذرز» في تشرين الأول 2008، وتعثر النظام المالي العالمي ولكن محنة دبي تؤذن باحتمال كر فصول أزمة الاقتصاد العالمي، وانفجار فقاعات أخرى وأغلب الظن أن يواجه عدد من الدول، ومنها اليونان وأوكرانيا وايرلندا، أزمات ديون كبيرة، في الأشهر المقبلة.‏

وقد تضطر الدول هذه إلى تحمل أعباء أسوأ انكماش مالي في العقود الثلاثة الأخيرة، وأن تسدد تكاليف انفجار فقاعة القروض والتسليف، وبادر صندوق النقد الدولي إلى نجدة عدد من الدول، على غرار ايسلندا والمجر وباكستان ويبعث اعلان «دبي العالمية» المخاوف من وقوع ضحايا جدد في شباك الأزمة (هيذر ستيورت وإيلان بلاك، محرران، عن «الغاريان» البريطانية، الأزمة العالمية حطت في دبي 16كانون الأول 2009).‏

إذا كانت البنوك المركزية أمطرت الأسواق بالسيولة المالية فإن الدول من جانبها قد أجبرت على الاستدانة بطريقة غير مسبوقة، فمن أجل إنقاذ البنوك من الإفلاس ودعم القدرة الشرائية للأسر ومساعدة الشركات على تحقيق موازاناتها عقب نهاية كل شهر أنفقت الدول ألاف المليارات من الدولارات التي لاتملكها.‏

 كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية