تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رفاهية المنفى في رسائل حب مفعمة

ملحق ثقافي
5/1/2010م
المؤلف: إبتسام نصر الصالح : حين يتطرق روائي لقصة حب فلابد له من إيجاد أسلوبه الخاص

لتقديمها فإذا كان الأسلوب تقليدياً بعيداً عن التفاصيل الخاصة التي يعتبرها البعض تابو, تتحول الرواية إلى حكاية حب عادية.‏

وبالمقابل يتطرق روائي آخر لقصة حب فيكسر جميع التابوات مستخدماً ألفاظاً تخدش حياء القارئ، فهو لا يرضي بذلك إلا القائمين على الجوائز العالمية مثل البوكر وغيرها...‏

أما الروائي الذي يحترم القارئ فهو قادر على تقديم قصة حب تتجاوز التابوات وبذات الوقت يبقى محترماً لمشاعر القارئ ويقدم مقولته الخاصة وبذلك تتحول قصة الحب إلى رواية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى...وهذا هو حال رواية “ أنثى السراب “ للروائي الجزائري واسيني الأعرج.‏

ص393»كل الأمكنة التي ذكرها واسيني عشنا فيها قسطاً من حياتنا الهاربة وكنت سعيدة أننا زرناها ونحن خارج نظام الزواج القاتل والخانق. كنا عاشقين فقط وإلا لزرناها هاربين من أنفسنا وذواتنا المنكسرة. لم نكن نسأل عن أي شيء. كنا فقط ننهب من الحياة أجمل ما فيها. لم يكن الزمن قادراً على احتضان أشواقنا وأسرارنا الجميلة.»‏

رفاهية المنفى:‏

رغم ملاحقة المتطرفين القتلة لبطل القصة –وهو الروائي واسيني الذي ورد اسمه صريحاً في الرواية -تمكن من الخروج من بلاده وصار يتلقى رسائل حبيبته ليلى ويرد على رسائلها الورقية. ومن خلال هذه الرسائل ننتقل مع العاشقين من بلد إلى آخر رغم أنها امرأة متزوجة وعندها بنت حملت بها من حبيبها وصبي حملت به من زوجها الذي ليس فقط لا تحبه ولكنها تحتقره ومع ذلك تتمكن من إيجاد المبررات لسفرها ولإقناع زوجها دائماً بالسفر -لأنها فعلا عازفة وعضو في فرقة فيلاهارموني الجزائرية- وحدها إلى دول متعددة لتلتقي مع حبيبها وتعيش أوقاتاً خاصة...‏

ص247-248»ذهبنا إلى الأوبرا...شاهدنا الكثير مما أنتجه فنانو هذه الأرض....: من حلاق إشبيليا لروسين في روما ذات شتاء جميل وساحر,وعصفور النار لسترافسكي, بالمدينة نفسها. الناي المسحور لموزارت في فيينا....لاترافيانا في لاسكالا بميلانو...»‏

وتذكر أيضاً أنها حملت بابنتها مايا في جزيرة كل القديسات ص393»أبوك الذي منحك أجمل شيء. الحياة. وفي أجمل الأماكن التي لا نراها إلا في الأحلام, تحت أجمل سماء في الدنيا وأصفاها, وفي أدفأ غابة لا تعيش لا تعيش فيها الثعابين والأفاعي. صدقاً، لا تعيش فيها الزواحف المؤذية.»‏

وتكرر البطلة وصفها للجزيرة التي حملت فيها بابنتها مايا في أكثر من موضع في الرواية لدرجة يعتقد القارئ أنها دعاية سياحية للمنطقة التي تصفها بدقة وبجمالية في الرواية, لدرجة أنني قلت ليتها حملت بابنتها في مدينتنا حمص فهي أيضاً مدينة لا تعيش فيها العقارب أبداً ولا الزواحف المؤذية...‏

ويبقى المنفى !!:‏

ورغم ما يعيشه البطل من رفاهية في المنفى إلا أنه يبقى منفى ص262»المنفى كالمرض, لا يأتي دفعة واحدة, يتربى في الأعماق إلى أن يصبح قنبلة موقوتة تنفجر حين تشاء وفي المكان الذي تريده.»‏

ترابط الأفكار ومبرراتها:‏

يطلعنا الروائي على دوافع البطلة لهذه العلاقة مع حبيبها, حيث كانا يعيشا قصة حب قبل زواجها من سواه وبعد الزواج لم تجد لدى زوجها ما كانت تحلم به ص49»زوجي مسافر إلى أندونيسيا, ومنها سافر إلى كوريا الجنوبية من أجل صفقة سيارات...لم يتلفن لي, ولم يسأل كثيراً عني. حسناً فعل لأنه بذلك, يمنحني بعض الراحة, والخلود إلى نفسي, والقدرة على اختزال كذبة لم أعد في حاجة إليها:‏

كيفك عمري؟ كيفك حبيبتي؟‏

لم أعد قادرة على قولها له حتى من باب المسايرة.»‏

الحنين للزواج:‏

طرح العاشقان خلال مسار الرواية فكرة الحب الذي يتأجج ويستمر خارج مؤسسة الزواج, ورغم ذلك فالبطلة تلومه على عدم زواجهما ص72»أحملك الخراب الذي لحق بسعادتنا. ماذا لو تزوجنا؟ ستقول لي بفلسفتك الوجودية المعهودة:لم نتفق على تقييد حرياتنا؟‏

ماذا يساوي الكلام أمام الخسارات الكبرى التي لا تعوض».‏

قضايا كبرى تطرحها رسائل العاشقين:‏

يطرح الروائي قضايا مثل: المرأة هل تفضل العيش كملهمة لأعمال حبيبها الأدبية أم أن تعيش معه حياة حقيقية ؟!! وذلك من خلال قصة الحب التي يرويها وبطلتها مريم وقصة حبه لملهمته ليلى، وكذلك قصة حب الروائي الجزائري” كاتب ياسين” لابنة عمه “زوليخة” التي كانت ملهمته لكتابة روايته الشهيرة جداً” نجمة”‏

ص163»لا أكاد أصدق أن المرأة التي كانت تقف على بعد خطوتين مني, هي زوليخة نجمة ياسين الهاربة. فقد صنع منها أسراره الغامضة, وعوالمه الأدبية. انتابني شعور غريب أحسست كأن نجمة خرجت من كتاب ورقي, لتواجهني بلحمها ودمها.»‏

وحول النازية والتطرف ص174»الذين احتلوا برلين, تحولوا بفعل القوة إلى نازيين جدد, فسرقوا أموال الألمان ومدخراتهم البنكية بعد أن أهانوهم, وفتحوا الملاجئ وقتلوا الناس.»‏

وكذلك قضية التصوف من خلال التوحيدي ص355»لم يكن التوحيدي هكذا بهذه البساطة. لقد أحرق كل كتبه, وعرك الأبجدية الساخنة في كف كمن يحك مسحوقاً ليحوله إلى دواء, ثم فتح أبواب النور في داخله الذي عتمته الخيبات المتتالية من بشر لم يكونوا يستحقون مناصبهم, ليبدأ مرحلة الباطن الذي لم يكن قد عرفه بعد..»‏

ولا يفوته التطرق لجائزة نوبل ص405»لقد أخطأت نوبل مواعيد عظيمة, أخطأت ليون تولستوي في 1901عندما كانت تبحث عن مسالكها الأولى, وسلمت لسولي برودهوم الذي لم يكن شيئاً مطلقاً في الكتابة الأدبية, لا في الثقافة الفرنسية ولا الإنسانية, سوى أن شخصية تقليدية من الأكاديمية فرضته قبل أن يدرك بقية الأعضاء الكارثة التي وقعوا فيها....»‏

أخيراً:‏

الرواية متخمة بوجبة ثقافية دسمة للغاية قدمها الروائي في رسائل الأبطال ويبقى السؤال:‏

هل تحتمل رسائل الحب كل هذه القضايا الكبرى وهذا الحشد الثقافي الهائل ؟!!‏

أعتقد أن الإجابة على هكذا تساؤل يلزمها دراسة خاصة بها!!!‏

الرواية: أنثى السراب‏

الكاتب : واسيني الأعرج‏

الكتاب: 448صفحة من القطع الوسط‏

الناشر: دار صدى-2009‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية