تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكتابة كوصفة ضد الملل

ملحق ثقافي
5/1/2010م
المؤلف:جوان تتر الكتاب “ليس الماء وحدهُ جوابا عن العطش”،

الشاعر هو الكوزموبوليتالي “الكوني” أدونيس الذي أعطى خلاصة حداثوية فريدة عميقة دون تنظيرٍ للشعر العربي من الفترة التي بدأ فيها الكتابة إلى الرَّاهن حيثُ لا زال يقدِّم رؤيته الحديثة من خلال الكتب التي تصدر له، الجهة الناشرة: هدية من مجلة دبي الثقافية ضمن سلسلتها التي كانت تصدر قديما تحت مسمى “كتاب الصدى” ثم ليتحول بعد صدور مجلة دبي الثقافية في مطلع تشرين الأول من العام 2004 إلى كتاب دبي الثقافية، في هذا الكتاب يتابع الشاعر أدونيس كتابة المغاير والمذهل والغائر في الأساطير بلغةٍ ذاتيَّة، “الذات” كثيمةٍ لروح الإنسان البشر، الكتابة كوصفةٍ تُخرج من الملل القائم في الحياة، في التعامل، الهرب من الواقع الضاجّ بالظلم والأصوات الناشزة إلى عالمٍ حُلمٍ أكثرَ واقعية من الواقع ذاته، أوَ ليسَ الحلمُ عالما أفضل من عالمنا؟‏

هذا ما يجيبُ عنه أدونيس بنعمٍ كبيرة ويرسمُ واقعا مُخترَعَاً بالكتابة, واقعَاً مُسْتَوحَى من الواقع الحقيقي ومختلفاً عنه كثيراً بذات اللحظة، دونَ إخفاء اتصَّالٍ في بعض الأماكن مع ديوانٍ سابق له “إحتفاء بالأشياء الواضحة الغامضة” تارّة ومع كتابهِ “تنبَّأ أيها الأعمى” تارة أُخرى حيث عناصر مشتركة تضم تدوين رحلات الشاعر بطريقةٍ سحرية، رحلاتٌ إلى بيوت شعراء ومنازل موسيقيين عظماء ليسافرَ أدونيس مع أشباحهم التي تملأ ذاكرته من خلال قراءاتهِ العميقة لهؤلاء وأيضا ليتحدَّثَ شعرياً عن رموز كل مدينة يقيم فيها، في هذا الكتاب تجتمع صفات كتابة أدونيس التي اشتهر بها عدا الغموض ففي كل القصائد ما من أثرٍ لغموضٍ إنَّما وضوحٌ مُرَمَّزٌ ضمن سياقٍ ميثولوجي يعتمد عليه أدونيس ليعود “بحركةٍ سينمائيَّة” من الماضي إلى الحاضر الذي هو فيه، إلى الحاضر الذي هو حالُ المدينة لحظة إقامة أدونيس فيها،‏

منذ صدور كتاب أدونيس “أول الجسد آخر البحر” إلى كتابهِ” لَيْسَ المَاءُ وَحْدَهُ جَوَابَاً عَن العَطَشْ “ أخذت الكتابة لديه منحى مغايرا للمنحى الذي اشتهر به أدونيس أعني قصائده الطويلة واستخدامه لمقولاتٍ شعريَّة عربيَّة قديمة ومن ثم معالجتها بعين الرّائي إلى الواقع الذي يعيشهُ أدونيس لينتقل إلى إسلوبٍ مختلف في الكتابة كتابة الأماكن وكتابة رحلاتهِ هذه السمة البارزة في قصائد أدونيس الأخيرة جعلتهُ أقربَ إلى القرَّاء بعد معاناةٍ وكآبَةٍ كانت تجتاحهم لحظة الإنتهاء من القراءة حيثُ صفعاتٌ متتالية من الغموض وشخوصٍ مبعوثةٍ من قبور الأساطير في أجواء الكتاب ثمة انزياحٌ نحو تدوين الرَّحلات إنّما بطريقة أدونيس المقارنة بين الأماكن شعريَّا إضافة إلى ذاتية الشاعر الواضحة وهو يتكلم عن نفسه بصيغة “هو”:ينقدُ ما حوله،ينقد العالم‏

عليه إذا أن يبدأ دائما بنقد نفسه، وأَلّا يكفَّ عن هذا النقد.‏

أو ليرمي ضمنيَّا إلى الرفض الذي قوبلَ به أثناء عرضهِ لرؤيته للشعر وللثقافة وللإرث الشعري العربي القديم والحديث :‏

يُشْغِلُ أفكارهم، كما لو أَنَّهُ شيطانٌ آخر:‏

يرفضونهُ، لكنَّهُ يقيمُ في عمق أعماقهم.‏

إضافة إلى حديث “كلام كتابة” أدونيس الشعري عن مدنٍ مثل “الإسكندرية وأغادير المُزَلْزَلة ونيويورك” وسعد زغلول وسيد درويش والعديد من الأشخاص والأماكن التي ظلت تداعب قلمهُ ومخيلتهُ وتحرِّضهُ على التدوين الشعري فإنَّهُ لم ينس مسقطَ رأسه “قصَّابين” تلك القرية الساحليَّة السوريَّة التي طالما كانت عنصرا شعريَّا فَعَّالا في إرث أدونيس الكتابيّ الضخم وكأنَّ تلك القرية شيطانُ الشعر لدى أدونيس، نرى في هذا الكتاب الشعري الجديد قصيدة تحت مُسمَّى “غيمة فوق قصّابين” هذه القصيدة تُعَدُّ بعمقها واختزالها لحياةٍ كاملة وثيقة شعوريَّة كُتِبَت بطريقة مذهلة، فيها ذكريات أدونيس عن والده وقريته الصغيرة، القصيدة هذه تُعْتَبَرُ بحقّ سيرة ذاتيَّة كافية للإطلاع على أدونيس الصغير وهواجسهِ.‏

“ليس الماء وحده جوابا عن العطش” كتابٌ عن المكان، فحديث أدونيس الشعري عن الأماكن هو أكثرُ من استعارة لديه بل هذه الأماكن توقِظُ في دواخلهِ ذكرياتٍ عن ممالك زائلة بالنسبة الى البشر ولكن شاعرنا يرفضُ زوالها، يراها واضِحَة لعينهِ التي لا تُخطئ،ففي الإسكندرية وهو يسيرُ يتراءى لهُ شبح كافافيس واضحا صريحا أكثر صراحة من جسد الدليل الذي بقربهِ.‏

كتاب “ليس الماء وحده جوابا عن العطش” ليس ترجمة لدفقاتٍ شعوريَّة وكفى كلا مطلقا إنَّهُ كتابٌ عميقٌ عن المكان والذات الذائبة في تفاصيل هذا المكان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية