تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حسن إدلبي للوجه ألوانه الساخرة

ملحق ثقافي
5/1/2010م
المؤلف: ماهر عزام: في اللحظة التي قرر فيها حسن إدلبي اختيار موضوع كاريكاتير

الوجوه كمشروع تخرج في كلية الفنون الجميلة بدمشق 1989 كان قد حسم خياره الفني والمهني مقررا تكريس نفسه كواحد من أبرز رسامي الوجوه خلال سنوات..وبالفعل كان له ما أراد..من هنا تبدو تجربة حسن إدلبي مكتملة قبل انطلاقتها..فأين يكمن التطور في تراكم الخبرة؟‏

على الصعيد الفني والتقني يصعب إيجاد مراحل للتطور..لكن على صعيد الموضوع يمكن رصد جملة من التفاصيل في لوحته لعل أهمها موضوع السخرية وطرق توظيفه في تفاصيل الوجه..‏

كيف يمكن للوجه أن يكون موضوع سخرية؟ ليس من الجانب الفقهي بالطبع لكن من الجانب الشخصي، الوجه هوية الإنسان والعين مفتاح التواصل مع العالم المحيط من بشر وأمكنة، هل يصلح الوجه أن يكون مادة قابلة للسخرية؟‏

عرف تاريخ الكاريكاتير الكثير من حالات السخرية عبر الوجه لأنه يملك من الرسائل القابلة للتواصل الكثير والكثير جدا. وعبر ريشة الفنان حسن إدلبي اكتشفنا اسلوبا جديدا للسخرية هو في أحد مستوياته مداعبة للشخص، أو ممازحة دون أن تصل الى حد الاستهزاء، لأن للسخرية خطا رفيعا جدا يفصلها عن الاستهزاء والحط من قدر الشخص المرسوم.‏

من هنا تبدو تجربته حالة جديدة من التعاطي الفني عبر سخرية محببة. تضحك الشخص المرسوم داخليا دون أن تزعجه، ومن ينزعج من رسوماته هو شخص محنط يصلح للمتاحف وليس للحياة، فكيف إذا كان الشخص أديبا يعارك نفسه كي يقدم روحه على الورق وبالكلمات.‏

لوحات حسن إدلبي المرسومة لوجوه الأدباء هي رسائل حب شديدة اللهجة تجاه هذا الأديب وتجاه قرائه، فهي رسوم رغم جرعة السخرية التي تسيطر على الخطوط والموضوع لا تدفع بالمتلقي لأن يشكل موقفا سلبيا تجاه الأديب أو تنقل تعبيرا لاذعا..هي رسوم تدخل القلب قبل أن تدخل الذاكرة، لهذا تستوطن الذاكرة، ولربما نسينا صورة الشخص الحقيقية وتذكرنا صورته التي رسمها حسن إدلبي، لأنها دخلت من باب أليف على الانسان ومحبب هو باب الضحك والدماثة، وهي تركيبة غريبة لم تخطئ هدفها أبدا، فلم يرفض أحد رسم هذا الأديب أو ذاك رغم وجود مساحة من السخرية.‏

وكما نعلم فإن السخرية هي أرقى أنواع الفكاهة، وذلك لسبب بسيط هو اعتمادها المطلق على الذكاء والحذاقة القائمة على المكر.. فهو عندما يرسم وجوه الأدباء بسخرية إنما يرسم في حقل ألغام، حيث هناك صورة الأديب المكرسة في أذهان القراء من خلال كتابات تعجب هذا ولا تعجب ذاك، وهي صورة تكاد تكون أيقونة في أذهان البعض ليس لأحد المساس بها كأدونيس أو نجيب محفوظ أو سعيد عقل أو أنسي الحاج..هكذا يأتي إدلبي ليحول هذا الأديب وكل منجزه بما فيها صورته الذهنية في ذاكرة القراء يحولها إلى عجينة يلعب بها بخفة حاوٍ مستخرجا ما أدهى من الثعابين من كيسه اللوني. فهو بهذا إنما يعيد تشكيل الوجه الإنساني بطريقة ساخرة لكائن كان جل همه أن يكون مصدر ثقة القارئ كي يستمر القارئ بقراءة ما يكتب، فليس لأحد الجلد ليقرأ لكاتب لا يثق به وبإمكاناته الإبداعية..‏

ومهما حاولنا عزل الجانب الشخصي لدى الأديب عما يكتب من الصعب أن نتواصل مع أديب لا نحبه بدرجة ما، أو لا نقدر جدة أدواته الفنية والإبداعية وتميزها، كيف يأتي رسام ويضع صورة هذا الشخص تحت مشرط ريشته؟إنها مغامرة أدرك حسن إدلبي مخاطرها منذ معرضه الأول الذي رسم فيه وجوه أساتذة كلية الفنون الجميلة في مشروع تخرجه، هؤلاء الذين إن لم يحبوا وجوههم فقد لا يوافقون على تخرجه.‏

هكذا بنى عناصر نجاحه على منطقة في الإنسان لا يمكن أن تموت وهي الحب، فهو إذ يسخر إنما يعيش حالة حب مع الوجه.‏

هذا الحب هو السر الخفي في لوحة حسن إدلبي، إذ لا يمكن لمن ينظر إلى إحدى تلك اللوحات إلا أن يشعر بكمية من الدفء تنبعث في أوصاله تدفعه لأن يطيل النظر إلى اللوحة فإذ بالوجه/ اللوحة تنغرز في ذاكرته وتتخذ لها مستقرا في منطقة الجمال كما في منطقة الضحك، في ناحية التفكير كما في المساحة المخصصة لإنجاز هذا الأديب، هكذا تكون السخرية الخفية في خطوط اللوحة هي مبعث فرح مقيم داخل أعماق المتلقي، وعندما اكتشف بعض الأدباء هذه الميزة باتوا يطمحون لأن يمر وجههم بين يدي هذا الفنان.‏

نتساءل مع استعراضنا للوجوه الأدبية التي رسمها هل هناك قراءة خاصة من قبل الفنان للأدب الذي يكتبه هذا الأديب وسعى لإبراز موقف الفنان من هذا الأدب عبر السخرية التشكيلية؟‏

لا اعتقد ذلك، ولا يمكن استنتاج موقفه مما يكتبه الأديب موضوع اللوحة، إنما هو يعتمد على عناصر شخصية ظاهرة ومعممة في الوسط الأدبي، فأدونيس في حركته كمفكر لا تلخص رؤية حسن إدلبي لشعر أدونيس كبنية جمالية يسيطر عليها الفكر أو صادرة عن موقف فلسفي..هي حركة شخصية التقط حسن تفصيلها بفراسته وأعاد تشكيلها في لوحته، وإلا لكانت الحركة موضوع سخرية نقدية لا بد وأن تؤكد بعناصر أخرى.‏

وهذا ما ينطبق أيضا على شعر رأس سعيد عقل الفضي والمرسل إلى جهات عدة والذي لا علاقة له بالموقف من أشعار سعيد عقل..وإلا لقلنا بأن سيجارة حنا مينة المشتعلة والتي يتصاعد منها الدخان هي معادل للمنجز الروائي عند أديبنا الكبير!‏

يعتني حسن إدلبي في لوحته بكمية الضوء المنبعثة من الألوان وهي لا تضيء الوجه فقط بل تنعش عين المتلقي بفرح كبير قد يتعارض مع السخرية بالنسبة لمن تختزل لديه السخرية بمفهوم الكوميديا السوداء..حسن إدلبي يجعل الكوميديا أكثر إشراقا والوجه موضوع الرسم أكثر نضارة، وهذا ينطبق على وجه الأدباء قلبا وقالبا، لكن قد لا يكون هذا التحليل في صالح الفنان إدلبي عندما يرسم الشخصيات السياسية وخاصة من كان منهم عدوانيا بشكل أو بآخر، كصورة مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة يلجأ إلى عناصر كاريكاتيرية أخرى في تلك اللوحة فاستخدم الأفعى.. هكذا فإن العناصر اللونية موظفة في لوحة الوجوه عنده لترفع من كم الإشعاع الحميمي بين الوجه وبين المتلقي فهي ذات أبعاد تواصلية.‏

أما الأبعاد التعبيرية في لوحته فهي تقوم على رمزية العناصر في إيصال فكرة قد لا تكون بالضرورة ساخرة، فهو عندما رسم الشاعر محمود درويش وعلى كتفيه الشال الفلسطيني لم يستخدم هذا العنصر الدلالي بأبعد مما يرمز إليه أيقونيا كرمز مشترك بين درويش وفلسطينيته، لهذا لا يمكن القول بان تلك اللوحة هي لوحة ساخرة، إذا لا تتضمن مفارقة،وإلا لقلنا بان الفنان يسخر من فلسطينية محمود درويش وهذا غير واضح في أي عنصر بصري في اللوحة إذ الوجه مفعم بالحب والعينان متألقتان.‏

مع أن محمود درويش قد لا يعترض على هذه اللوحة إلا أننا يمكن أن نقول بأن درويش كان يضيق ذرعا ممن يسعى لتأطيره في كادر واحد هو شاعر الأرض المحتلة أو شاعر القضية الفلسطينية، فهو شاعر لديه الكثير ليقوله غير شعر القضية الفلسطينية، وأي محاولة لحصره بشعر القضية هي محاولة إساءة له، هكذا ربما تكون لوحة حسن إدلبي منضوية تحت محاولات تأطير درويش في إطار محدد، هكذا ذهبت الدلالة الرمزية للشال الفلسطيني في لوحة محمود درويش إلى أهداف قد لا تكون قصدية عندما ننظر إلى لوحة حسن إدلبي كلوحة كاريككاتير.‏

أما في لوحة القاص زكريا تامر فالفنان حسن إدلبي يرسمه جالسا على الكتب ومتكئا على الكتب أيضا..ليس في هذا أي سخرية إنما تكوين جمالي ممتع، أما القراءة الساخرة لهذه اللوحة فقد تذهب بنا نحو السخرية من أن زكريا تامر يعتمد على الكتب في جلسته ويتكئ عليها في كتاباته، وهذا قد يكون سخرية لاذعة لا تعكس الحب الشديد الذي يرسم به حسن إدلبي وجه زكريا تامر..إذا عندما ننظر إلى تلك اللوحة كفن ساخر فهذا قد يقودنا إلى قراءات خاطئة للوحة الفنان قد تحرف هدف اللوحة عن قصديتها، وإلا فتكون لوحة إدلبي متضاربة في مابين عناصرها ومتناقضة جوهريا وهذا يخرجها من سياقها الفني ويدخلها في باب تعبيري يأخذنا إلى أماكن أخرى ذات إشكاليات متعددة لا علاقة لحسن إدلبي بها، ونظلم الفنان كثيراً بهذه الرؤيا.‏

حسن إدلبي فنان ينشئ لوحته في منطقة ملتبسة بين الفن التشكيلي وبين الكاريكاتير، وهذا ما يجعل التعامل مع أعماله ككاريكاتير فيه ظلم كبير للفن التشكيلي، وكذلك النظر إلى لوحته كفن تشكيلي خالص فيه ظلم لأن زمن إنجاز اللوحة مرتبط بدورية الصحافة الأمر الذي لا يمنحه فرصة كبيرة للتأمل في كل تفصيل داخل اللوحة بما يستحق كفن تشكيلي..فهو يأخذ من الكاريكاتير عنصره الصحفي الساخر أحيانا ويأخذ من الفن التشكيلي أدواته الجمالية..وبخلطة ساحر كهين تخرج اللوحة من بين أنامله لتندغم في ذاكرة كل من يشاهدها بفرادة مميزة.‏

تعليقات الزوار

لميس ادلبي |    | 14/01/2010 21:43

عمو حسن انا بحبك كتيراشتقتلك ليش ماعم بدقلي

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية