تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القصة الساخرة في سوريةالمفهوم والمصطلح

ملحق ثقافي
5/1/2010م
المؤلف:أحمد عزيز الحسين :حظيت القصة القصيرة في سورية

بمن يكتب عنها كتابة منهجية منذ ثلاثة عقود ونيف، وقد اتسمت المؤلفات المكتوبة عنها بالغزارة وتنوع المقاربات والرؤى النقدية، وفي هذا الصدد يمكن أن نذكر مساهمات حسام الخطيب وعدنان بن ذريل ونبيل سليمان وعبد الله أبو هيف ورياض عصمت ومحمد كامل الخطيب ومحمد محيي الدين مينو وغيرهم.‏

والملاحظ أن ثمة نزوعاً ساخراً بدأ بالتوضع داخل الفضاء القصصي السوري منذ الخمسينات في نتاج حسيب كيالي ويوسف أحمد المحمود، ثم في بعض نتاج وليد مدفعي وأديب النحوي وسعيد حورانية وزكريا تامر. وقد انضم إلى هؤلاء الكتاب، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، عدد لافت للنظر من الكتاب الشباب، اقتصر بعضهم على كتابة القصة الساخرة كخطيب بدلة، وجمع بعضهم الآخر بين القصة الساخرة والقصة الجادة كوليد معماري وحسن م. يوسف ونجم الدين سمان ومحمد منصور ونجيب كيالي ومحمود عبد الواحد ومالك صقور، وقد وشى هذا التنامي باستمرار النزوع الساخر في القصة الساخرة وتحوله إلى مشروع اتجاه أو ظاهرة.‏

والواقع أن هذا النزوع لم يلقَ إلى الآن اهتماماً نقدياً يوصِّفه ويؤطره شأنه في ذلك شأن كثير من الظواهر الأدبية والثقافية في سورية، وقد اقتصرت مقاربته على كتاب يتيم قام بإعداده القاص خطيب بدلة عنوانه “الساخرون” “صدر عن دار الأهالي بدمشق عام 1990”، وعلى دراسة نقدية كتبها القاص محمد محيي الدين مينو، وخصصها لدراسة عالم خطيب بدلة السردي، «وصدرت عن دار ملهم بحمص عام 2005»، كما ظهرت خلال القرن الماضي بعض الدراسات النقدية القيمة لصلاح صالح ورضوان القضماني ونذير جعفر، واكبتها بعض المراجعات النقدية ذات الطابع الإعلامي، لكنّ طابع الاحتفاء طغى على أغلب الكم المنشور، فلم يضئ هذه التجربة من الداخل، ولم يفلح في وضع إطار منهجي رحب يقاربها من خلال تفكيك بنيتها النصية، والملاحظ أن هذه المساهمات، وإن حاولت دراسة حسيب كيالي ومَن تلاه من كتاب القصة الساخرة، إلا أنها بقيت تدور في المحيط الخارجي للتجربة، واقتصرت طبيعة مقاربتها على المطابقة بين البنية النصية والبنية الاجتماعية، أو على الفصل بين لغة حسيب كيالي الساخرة «! !» وبنية القصة لديه، بحيث بدا واضحاً أن السخرية وفق المساهمات السابقة، تنبع في تجربة الكيالي من اللغة وحدها مفصولة عن البنية السردية المندغمة فيها، أو عن طبيعة المتن الحكائي نفسه؛ وهكذا لم نعرف، مثلاً: لماذا استعان الكيالي أو يوسف أحمد المحمود بمفردات محلية معينة في قصصهما، ألأنهما أرادا ذلك وتقصداه بمعزل عن علاقته بالمعمار الفني الذي تعالق معه، أم لأن بنية القصة لديهما وحركيتها الداخلية هي التي أوجبت عليهما استدعاء هذه المفردات دون غيرها؟‏

إن فهم «السخرية» في تجربة الكيالي/ المحمود لا يتجاوز في أغلب الدراسات السابقة النظر إلى الألفاظ معزولة عن بنيتها النصية، وإلى المبنى الحكائي بوصفه بنية نصية صغرى منتجة في سياق بنية نصية كبرى، إذا استخدمنا مصطلحات الناقد المغربي سعيد يقطين.‏

وفي رأيي المتواضع أن ما كُتِب عن جيل حسن م. يوسف ووليد معماري وخطيب بدلة وغيرهم لا يتجاوز المقاربة السابقة، ولا يرتقي فوق المفهوم الشائع لعلاقة اللفظة الساخرة «!!» بالقصة الساخرة، مع ملاحظة أنني لا أعتقد بوجود لفظة ساخرة معزولة عن محيطها السردي، فالمشتغلون في حقل السرديات يرون أن الكلمة في المتن السردي ما هي إلا عنصر مكون للمبنى الحكائي، والمبنى كيفية فنية يتجلى بها المتن الحكائي نفسه في معمار سردي، ولهذا فالسخرية لا توجد في المتن الحكائي وحده بل هي متموضعة في المبنى الحكائي بوصفه تشكيلاً فنياً للمتن الحكائي نفسه.‏

وقد توقف الناقد السوري صلاح صالح في محاضرته «مستويات السخرية في القصة السورية القصيرة» التي قدمها في المهرجان الأول للقصة الساخرة في سورية «طرطوس1997» عند مصطلح «السخرية» ولاحق دلالته في المعاجم الاصطلاحية العربية وجذوره في التراث السردي العربي، كما رأى أن تجليات هذا المفهوم في القصة السورية مختلفة بين كاتب وآخر، وهي عند بعضهم تقترب من الكوميديا السوداء، في حين أنها عند آخرين قشرية ولا تمس الموضوع المتناول إلا مساً شفيفاً، كما توقف عنده الدكتور رضوان القضماني في مداخلته التي قدمها في ندوة المهرجان، وأشار إلى أن الشعرية في القصة الساخرة تنبثق من استخدام اللفظة وتوظيفها، وأن اللفظة الساخرة هي التي تصور الحدث، وأن الحدث في القصة الساخرة تخلقه ألفاظ ساخرة، وفي ضوء ذلك قرأ بعض القصص المقدمة في المهرجان مركزاً على كيفية تجلي هذا المفهوم في البنى النصية المدروسة، أما يوسف أحمد المحمود «أحد أعلام القصة الساخرة في سورية» فرأى في شهادته التي قدمها في المهرجان أن الكتابة الساخرة لا تحصل على وجهها الصحيح إلا أن تكون واقع الواقع، وأن تُكتَبَ بضمير المتكلم؛ بمعنى أن صاحبها ارتضى أن يسخر من نفسه، بل ومن قدره، يكتب بألفاظ حدثه على ما جرى هذا الحدث /واقع الواقع، وهو لا يأنف من استخدام «الألفاظ البذيئة!!»، الرذيلة، المعيبة، السافلة المنحطة إذا اضطره تصوير الحدث إلى ذلك، أو لأن الألفاظ تولَدُ من الحدث على هيئته وعلى مثاله كما يقول.‏

تعليقات الزوار

رواد اسكاف |  skafff@yahoo.com | 06/01/2010 02:51

الغريب في المقال بل وكل الملف غياب اسم لقمان ديركي..

أحمد عزيز الحسين |  abunawar66@hotmail.com | 07/01/2010 12:57

لو كان المقال معنياًّ بالتأريخ الأكاديمي المستفيض للقصة الساخرة لوجب على كاتبه أن يذكر كل من كتب في القصة الساخرة من مشهور ومغمور ، أمّا وأنه معنيٌّ بمقاربة الظاهرة لا الـتأريخ لها ضمن مساحة محدودة معطاة له فيكفيه أن يضرب أمثلة على أهم الأسماء التي تنمذج ذلك من وجهة نظر صاحبه . ولعلم الأخت صاحبة التعليق أنني أهملت ذكر أسماء كتاب أصدروا مجموعات قصصية كاملة تنسب إلى هذا النوع من القصة منها اسمان لكاتبين ينتسبان إلى المحافظة التي أقيم فيها : أولهما ، هو عبدالحميد يونس الذي أصدر مجموعة قصصية ساخرة بعنوان الأشتر عن وزارة الثقافة بدمشق عام 1994، وقد سقط اسمه سهواً من متن المقال ، والثاني علي ديبة ، وأصدر هو الآخر عدة مجموعات قصصية يمكن أن تدرج تحت خانة هذا النوع من الكتابة ، وهكذا ترين يا أختنا العزيزة أن المسألة لم تكن قصدية ضد الأخ لقمان أو غيره ، وقد يتاح لي في المستقبل أن أتوسع في مقالي فأضيف إليه ما سهوت عن ذكره في المرة الأولى ، مع شكري الجزيل لتعليقك .

عبد الله حلواني |  halwaa@yahoo.com | 12/01/2010 23:47

تتحدث وكأن الأمر عادي يا أستاذ.. ظاهرة مقالة لقمان ديركي اليومية لا يمكن أن تفوتك إلا إذا شئت ذلك عن قصد. فما القصد؟!!!!!

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية