تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين الســـــلام والمفاوضـــات

شؤون سياسية
الأربعاء 6-1-2010
غالب حسن محمد

الفارق كبير بين السلام والمفاوضات،المفاوضات مجرد وسلة سلمية تستهدف وضع حد لنزاع دموي مسلح لن تجدي معه الحرب كوسيلة للحسم مثل الصراع العربي -الإسرائيلي-

أما السلام فهو أبعد وأعمق وأشمل من مجرد تسوية للنزاع أو الصراع وتوقيع اتفاقات بشأن ذلك السلام نظام حياة شامل يقوم على التوازن والتكافؤ والتقابل في الحقوق والمصالح المشتركة ،السلام يعني بناء منظومة سياسية وثقافية ومجتمعية شاملة توفر من خلالها ركائز حياة آمنة ومستقرة ومتفاعلة بين الشعوب المتنازعة والمتصارعة باختصار شديد السلام يعني استعادة أسس الحياة المشتركة.‏

ولكن السؤال الآن أين الولايات المتحدة وإدارة أوباما من هذا المعنى؟ ماذا تريد الولايات المتحدة؟ هل تريد السلام فعلاً بالمعنى السابق الذي أشرنا إليه؟ أم إنها تريد فقط المفاوضات وترك المفاوضين يصلون إلى ما تفرضه وقائع القوة السائدة؟ هل تريد الإدارة الأمريكية دور المبادر لإقامة السلام؟ أم مجرد أن تضع عجلة المفاوضات على سكة التحرك؟ وماذا تريد الدجاجة أم البيضة؟ دجاجة العرب التي تبيض النفط والمال أم البيضة «الإسرائيلية» بما تقوم به الأخيرة من دور بالوكالة لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة؟.‏

الإجابة عن هذه التساؤلات توضح لنا لماذا حتى هذه اللحظة لم تنجح الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية في إقامة السلام في المنطقة ووضع نهاية الصراع العربي -الإسرائيلي-.‏

بداية لابد من الإشارة إلى ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لاستمرار بذور الصراع وهذا ما يظهر في الأرقام الفلكية التي قدمتها وتقدمها لدعم الآلة العسكرية «الإسرائيلية» ودعم الأنشطة الاستيطانية.‏

وإذا كان لذلك من دلالات سياسية فهي أن الولايات المتحدة تدعم أسلوب المفاوضات في ظل الحفاظ على موازين القوى لمصلحة دولة «العدوان» طالما بقي هذا النهج فخيار السلام سيظل بعيداً عن التحقيق وستظل فرص الصراع أكبر من فرص السلام.‏

والولايات المتحدة على امتداد احتكارها للعملية السلمية في المنطقة لم يخرج دورها قط عن دور الداعم لاستئناف المفاوضات والراعي لها وهنا ارتكبت الدبلوماسية الأمريكية خطأين أساسيين:‏

الأول: أنها تدرك تماماً أن طرفي الصراع الرئيسيين الفلسطيني- و«الإسرائيلي» غير قادرين على الوصول إلى اتفاق حتى ولو بقيا يتفاوضان مئات السنين وذلك لأسباب كثيرة في مقدمتها تمسك «إسرائيل» بمفاهيم السلام المبني على القوة العسكرية وليس مفهوم الحقوق ولذا هما في حاجة إلى من يقوم فعلاً بدور المبادر الفعلي ويقدم صيغة سلام تقوم على التوزان في الحقوق. والخطأ الثاني: احتكار الولايات المتحدة للعملية السلمية والتفاوضية وعدم إتاحة أي دور للأمم المتحدة والدول الأخرى المعنية مباشرة في سلام المنطقة كالدور الأوروبي المغيب هذا على الرغم من معرفة الولايات المتحدة بأن طبيعة علاقاتها التحالفية والاستراتيجية مع «إسرائيل» تسلبها أي دور مبادر للسلام.‏

سبب هذا الفشل هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحرر نفسها من المؤثرات الداخلية المتحكمة في القرار الأمريكي تجاه «إسرائيل» ولم تحرر نفسها من دور الراعي الشكلي لعملية التسوية فقط ولم تحرر نفسها من دور من لايريد أن يبادر ويقتصر دوره على إدارة النزاع أكثر من البحث عن حلول له.‏

ولعل أحد أهم العوامل التي قد تفسر لنا هذا الموقف أن الدبلوماسية الأمريكية تفضل التعامل مع ما هو قائم والمشكلة في ماهو قائم يقوم على موازين القوة التي فرضتها «إسرائيل» وليس على أساس موازين السلام. هذه هي معضلة السياسة الأمريكية.‏

لم تحاول الإدارة الأمريكية أن تميز بين المفاوضات والسلام وأن المفاوضات إذا تركت من دون رؤية حقيقية للسلام تبقى تدور دون جدوى وهذا ما حصل للمفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية- التي استمرت أكثر من ستة عشر عاماً من دون خطوة حقيقية نحو إنهاء الصراع.‏

فإذا كانت الولايات المتحدة مصرة على احتكارها للمفاوضات وللعملية السلمية وجادة في استعادة مصداقيتها وحريصة على مكانتها ومصالحها في المنطقة فعليها أن تنتقل من دور من يريد المفاوضات إلى دور من يريد السلام فعلاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية