تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تجميد الاستيطان... مناورة لتخفيف الضغوط الدولية

شؤون سياسية
الأربعاء 6-1-2010
د. صياح عزام

مسرحية تجميد الاستيطان شكلت آخر العروض التي قدمها رئيس الوزراء الاسرائيلي «نتنياهو» وقد وضعته هذه المسرحية «المناورة» كما أطلق عليها العديد من المحللين السياسيين في وضع مريح، ساعده على مواجهة ضغوط الادارة الأميركية والاتحاد الأوروبي من أجل وقف الاستيطان.

لقد تذرّع نتنياهو أمام الرأي العام العالمي بأن مسألة التجميد للاستيطان هي أقصى ما يمكن أن يقدمه من تنازلات على حد قوله، داعياً الفلسطينيين إلى التخلي عن المطالبة بالوقف التام للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وفي القدس الشرقية. وفي الوقت نفسه لاقى هذا التجميد الترحيب من الادارة الأميركية التي وصفته على لسان أكثر من مسؤول، منهم وزيرة الخارجية الأميركية والمبعوث الأميركي الخاص «ميتشل»، بأنه عرض «غير مسبوق»، الأمر الذي زاد من الضغوط على الفلسطينيين ولاشك بأن هذا الكلام الأميركي يشير إلى أن ادارة الرئيس «أوباما» لا تستطيع أن تذهب إلى أبعد من ذلك في الضغط على نتنياهو وأنه أصبح المطلوب من الفلسطينيين أن يختاروا بين العودة إلى المفاوضات ضمن الشروط الاسرائيلية أو أن ينتظروا المزيد من الوقت، حيث تقوم إسرائيل بالمزيد من تشييد المستوطنات وقضم المزيد من الأرض في الضفة الغربية والقدس الشرقية.‏

من جهة أخرى عمل نتنياهو قبل الاعلان عن تجميد الاستيطان على شن حملة من الضغوط على الفلسطينيين، منها: الترويج لأنباء حول احراز تقدم في مجال تبادل الأسرى بين اسرائيل وحماس، ما يعني أن اسرائيل تستطيع التعامل مع فلسطينيين من خارج السلطة في حال بقيت السلطة رافضة للعودة إلى المفاوضات ثم محاولة الظهور بمظهر الراغب في استئناف المفاوضات مع سورية من خلال الوساطة التركية. ولهذا أرسل نتنياهو وزير الصناعة والتجارة الاسرائيلي «بنيامين بن اليعازر» إلى تركيا ليتجدد الحديث عن رغبة اسرائيلية في قبول الوساطة التركية من جديد بعد توقفها على أثر الحرب على غزة أو على أثر مواقف رئيس الوزراء التركي «أردوغان» التي تندد بإسرائيل وبعد مشادّته الشهيرة مع الرئيس الاسرائيلي «بيريس»في منتدى «دافوس» في سويسرا السنة الماضية.‏

إذاً حاول نتنياهو توظيف المسار السوري في لعبة الضغوط التي يمارسها على الفلسطينيين علماً بأنه لم يكن يوماً من الأيام من المتحمسين لهذا المسار.‏

اضافة إلى ذلك وقبل الاعلان عن مسرحية تجميد الاستيطان هذه استطاعت اسرائيل تطويق وافشال محاولة الفلسطينيين اعلان دولة فلسطينية من جانب واحد وانتزاع قرار من مجلس الأمن يؤيد ذلك، وأطلقت التهديدات بأنه في حال الاعلان عن مثل هذه الدولة فإنها سترد على ذلك بأساليب متعددة، منها مصادرة أجزاء أخرى من الضفة الغربية وبالفعل نجحت اسرائيل في احتواء هذه المحاولة الفلسطينية، وخاصة بعد اعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معارضتهما لمثل هذه الخطوة الفلسطينية وتأكيدهما على أن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى قيام دولة فلسطينية.‏

وهكذا فإن هذا التجميد الجزئي للاستيطان والذي وصفه نتنياهو بأنه «ثمن مؤلم» على حد تعبيره ما هو إلا مناورة مشبوهة، الهدف منها تجريد الفلسطينيين من الأسباب المنطقية التي يقدمونها لتبرير عدم قبولهم بالعودة إلى المفاوضات والتخفيف من الضغوط الدولية على اسرائيل لتقديم بعض التنازلات للفلسطينيين حتى ولو كانت شكلية، بما يجعلهم يعودون إلى طاولة التفاوض لأن الادارة الأميركية تريد تحقيق مثل هذا الأمر، أي معاودة المفاوضات حتى ولو لم تسفر عن شيء ايجابي.‏

ومما يجدر ذكره هنا أن الحكومة الاسرائيلية صادقت قبل الاعلان عن هذا التجميد الجزئي على العديد من المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية من أجل تعويض أي تباطؤ قد تضطر له الحكومة الاسرائيلية لتخفيف الضغوط الدولية عليها.‏

إن قرار التجميد للاستيطان قرار شكلي، وخاصة أن القدس الشرقية لم يشملها، أي إنها مستثناة من أي تجميد حتى إن قرار التجميد في الضفة الغربية استثنى الكنس والمدارس والمنشآت العامة التي تتعلق بما أسماه الحياة اليومية للمستوطنين وهذا تلاعب واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية، بل إن القرار أقرب ما يكون إلى عملية خداع مزيفة ولا يحمل شيئاً جديداً. هذا ويعمل نتنياهو في الوقت نفسه على تصوير هذا القرار بالتجميد الجزئي للاستيطان بأنه أقصى ما يستطيع أن يقوم به، وإلا فإن حكومته الائتلافية قد تتعرض للانهيار على حد زعمه جراء معارضة الأحزاب الدينية المتطرفة والقومية المتشددة لأي تجميد لعملية الاستيطان، وهذه الذريعة استخدمها نتنياهو في مجابهة الضغوط الأميركية عليه.‏

ومما يجدر ذكره أن وزير الحرب الصهيوني باراك -الذي يحسبه البعض على أنه من المعسكر المعتدل داخل الحكومة الاسرائيلية الحالية- يحاول هذه الأيام أن يظهر بمظهر المتشدد والمتطرف حتى يأتي موقفه هذا منسجماً مع موقف المجتمع الاسرائيلي الذي يميل بأسره إلى التطرف وأيضاً ليحافظ على البقية الباقية من حزبه المهدد بالزوال وبالتالي فهو يساند نتنياهو على غرار ما يسانده ليبرمان أو أكثر بقليل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية