تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حدودالموقف بين الركام والتراكم

شؤون سياسية
الأربعاء 6-1-2010
د. أحمد الحاج علي

أعرف كما غيري من البشر العرب أننا حطمنا عبر السياسات العربية ذلك الحاجز بين البدايات والنهايات وسلفاً حينما تضيع الهوية وينتفي معيار المواقف يفقد الزمن مضمونه

وتصبح أنماط السلوك السياسي مجرد أجزاء متناثرة يلغي فيها اللاحق السابق ويتحول الموقف إلى مجرد صوت جغرافي يملك بعض الصدى ثم يدخل في وادي التلاشي وهو يتخبط من جرف لآخر ومن صرخة لأخرى لعلي بصورة منهجية أرجع الأمر كله إلى حالة الاختلاط القاتل بين مصطلحين عانت منهما كل الأمم في كل العصور إلى أن جاءت السياسات العربية الراهنة لتدحض منطق التاريخ وتنسف حدود التمايز والتناقض بين المصطلحين أعني بين مصطلح الركام ومصطلح التراكم والركام تخبط وتكسر وتجميع كمي منهك في منطقة الخواء والفشل والاستسلام وإن حاول البعض تزيينه وتجميله ويستغرب الإنسان العربي وتستغرب مواقع العالم الحية المعاصرة كيف تمتلك السياسات العربية الرسمية هذه المقدرة على تحويل الركام إلى أمجاد غابرة وإنجازات نادرة وهمم عالية ثائرة، لكن الذهنية العربية قد دجنت على مايبدو وتحولت إلى وعاء فارغ ما عاد يصلح إلا أن تصب فيه الأنظمة وتوابعها ما تشاء من النفايات النفسية والفكرية بطريقة الركام وعلى النقيض من ذلك يطرح مصطلح التراكم ضروراته وموجباته وهو الذي يقوم على حقائق الفعل ومرتسماته وعلى تضامن الجهد والموقف وعلى ربط الراهن بالمستقبل والموضعي بالعام والقطري الوطني بالقومي حتى ليتحقق ذلك المفهوم بوجود الجسم السياسي الحي والذي استجمع في ثناياه كل ما كان واستطرد في إيقاعه نحو ما يجب أن يكون إن التراكم بهذه المعنى هو منطق عضوي إذ كل خطوة فيه هي نتيجة لسابق ومقدمة للاحق وأبرز ما ينجزه مفهوم التراكم العضوي السياسي يتمثل في إضاءات ثلاث هي:‏

أنه يبقي الجسم السياسي القومي حياً ويبقي الحياة قائمة في هذا الجسم عندها تكون قضايانا القومية الكبرى هي كائنات حية نعيشها وتعيشنا نستمد منها معالم الحقيقة وحدود الواقع كما هو وحينما تبقى قضايانا حية بما فيها من صبوات ومرارات نبقى نحن أحياء في حضنها وحاضنتها نستبعد التجديف ونخرج الزيف من أفعالنا وأقوالنا ونرسم صورة واقعية لما نحن فيه وعليه عندها تخفت الأصوات المزورة المطبلة والمزمرة وتتاح الفرصة للواقعية والشجاعة أن تفعل فعلها في التحديد والتحليل.‏

وإنه -أي التراكم- يبقينا في حالة المسؤولية قد نتجرع المرارة ولكن ذلك أفضل وأهون مليون مرة من النوم في العسل الفاسد والاستفاقة مع كل فاصلة على كارثة جديدة وغربة جديدة ومعلوم أنه من خصائص المسؤولية أن تردع الموقع السياسي من أن يتهرب بطريقة التجريد أو التغني أو الهروب إلى الخلف أو التحميل الموهوم على خطا المستقبل المجهول.‏

وإنه -أي التراكم- يقدم لنا مادة عربية في الحد الأدنى فهو الذي يرسم الصورة المأساوية ويبرزها وهو الذي يضبط حدودنا ويمنع العابر من أن يكون المستقر والفاشل من أن يكون رمزاً للعظمة الموبوءة وهو يواجه الادعاءات بمنطق التبني والهم الأخلاقي والمعرفة المتكاملة بحقائق ما يجري في واقعنا العربي ألا نرى الآن أننا صرنا محط استغراب العالم كله ونحن نستهين بقضايانا أو نلهو بها وتحضرني هنا إشارة للرئيس القائد بشار الأسد أظن أنه أطلقها في مؤتمر قمة بيروت في عام 2002 ومضمونها أن العالم صار يطالبنا نحن العرب بأن نكون على الحياد في قضايانا فهو يتفاعل معنا ويدافع عنا شريطة ألا نقهر القوى الحية في العالم بمقولة إن أهل مكة أدرى بشعابها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية