تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عشر سنوات من الفشل الأميركي

Los Angelos Times
ترجمة
الأربعاء 6-1-2010
ترجمة: حكمت فاكه

بدأ العقد الأول من القرن الحالي بالرعب وينتهي به، فقد بدأ بهجمات الحادي عشر من أيلول عام 2006، والتي تعد الأكثر رعباً في تاريخ أميركا.

وأوشك هذا العقد على الانتهاء بخوف مشابه يسود الشارع الأميركي، لكن آثار هذه المخاوف في هذه المرة هي الانتكاسات الاقتصادية وما سببته - وول ستريت من أزمة مالية عالمية، وبشكل عام فقد انصرفت أنظار واهتمامات أميركا في هذا العقد عن أهدافها ومصالحها القومية.‏

وفي الوقت الذي انفجرت فيه فقاعة الاقتصاد، انخرط بوش خلال ثمانية أعوام بخوض مواجهة انتقامية مع خصمه صدام حسين، وقد غامر بشكل طائش ودفع بالجنود والأموال الأميركية المفتوحة إلى فوضى نيران تلك الحرب المجنونة التي أشعلها بوش بمحض إرادته وتفكيره العقيم لتخلف وراءها الكوارث والدمار لكل من أميركا عامة والعراق خاصة.‏

فعلى الصعيد الاقتصادي، كانت فقاعة الأسهم التي شهدها عقد التسعينيات قد تلتها فقاعة أخرى في قطاع الإسكان، ماجعل منهما سوية الماكينة المحركة ظاهرياً لنمو اقتصادنا القومي، ومنذ ذلك العقد، لم يبلغ حجم الاستثمار في إنتاج السلع الاستهلاكية مابلغه الاستثمار في القطاعات الأخرى التي شكلت القوة المحركة لنمو اقتصادنا طوال الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى عقد سبعينيات القرن الماضي.‏

ومن يرد معرفة الكثير عن المصارف التي أنفقت فيها كل هذه الأموال الطائلة، فما عليه سوى الاطلاع على مضمون آخر تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، لأنه يبين بوضوح أين ذهبت تلك الأموال، فقد ذهبت إلى دائرة الأغنياء لتصب في جيوبهم.‏

ولزيادة الدهشة، فقد شكلت تلك الأرباح وحصص الأسهم نسبة قدرت بـ 23 بالمئة خلال ماكان يطلق عليه اسم - سنوات الرخاء- وهي الفترة الممتدة بين 1964 وحتى عام 1979، أما خلال الفترة مابين 1980 -2008 فقد شكلت هذه الحصص نسبة وصلت إلى 46بالمئة أي إنها وصلت إلى ضعف ماكانت عليه في سنوات الرخاء.‏

وجاء بعد ذلك دور فقاعة القطاع المالي، فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، اتسعت الفجوة الفاصلة بين العاملين في الشركات المالية وغير المالية من 11 ألف دولار سنة 1989 إلى 40 ألف دولار بحلول سنة 2007، ودافع مسؤولو القطاع المالي عن هذا الاتساع بالقول إن قطاعهم ساهم في خلق الكثير من المنتجات المالية الجديدة المبكرة. وهي نفس المنتجات المزعومة التي عصفت بالمؤسسات المالية ودفعت باقتصادنا القومي - بل بالاقتصاد العالمي كله- إلى هوة الركود الذي يعانيه حالياً، ففي لقاء مع الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي بول فولكر أجرته صحيفة وول ستريت مؤخراً قال فولكر فيه: «لم أعثر على أي دليل يذكر للابتكارات الكبيرة التي شهدتها الأسواق المالية خلال السنوات القليلة الماضية على الإنتاج الاقتصادي».‏

ثم أضاف قائلاً: «كل ماأعرفه هو أن اقتصادنا القومي، كان يسجل نمواً كبيراً خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، دون أي وجود للابتكارات المالية تلك.‏

ولا يقتصر الخوف الذي يسود الشارع الأميركي حالياً على هواجس فقدان المرء لوظيفته أو أبيه أو شقيقه أو زوجته، وإنما الخوف الأكبر هو ما لحق ببلادنا من انكماش وتضاؤل لاحيلة معهما للعودة بأميركا إلى ماضي رخائها العام الدائم، وبما أن هذا هو الوضع، فمن الصعب بل من المستحيل علينا أن نفكر في الظرف الراهن حالياً الذي تستعيد فيه بلادنا أمجاد تفوقها الاقتصادي العالمي.‏

وحتى يتم تجاوز «الفوبيا» القومية من انتهاج السياسات الإنتاجية الصناعية، اتخذت النهج الصحيح باهتمامها بقطاع الطاقة البديلة المتجددة، بما يساعد على عودة بلادنا من جديد إلى طريقها الصحيح الذي انحرفت عنه، أي إلى ماض اعتمد اقتصادها فيه على الإنتاج المادي الحقيقي، وليس الإنتاج المالي الوهمي.‏

وبرأيي هذه عودة إلى الطريق الصحيح حتى ولوجاءت متأخرة عن موعدها طوال السنوات والعقود الماضية.‏

إلا أن العودة بالاقتصاد الأميركي تتطلب التأكد من أن الإنتاج الحقيقي الذي نقوم به يتم داخل الأراضي الأميركية وليس خارجها.‏

وقد ذكر أستاذ القانون في السياسة والاجتماع بجامعة نورث استيرن «جون فيتزجيرالد » في مقال نشر في الآونة الأخيرة أن نسبة 84 بالمئة من ميزانية الـ 1.5 مليار دولار الفيدرالية المخصصة لدعم إنتاج الطاقة البديلة النظيفة، التي تم توزيعها في شهر أيلول الماضي كانت من نصيب الشركات الأجنبية المنتجة لتوربينات طاقة الرياح، وفي الوقت نفسه لاتتوقف دول ذات تكنولوجيا طاقة رياح مزدهرة عن تصدير منتجاتها المربحة إلى بلادنا، ولاسيما الصين وألمانيا.‏

والحقيقة أن هذا العالم الأخلاقي الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي العام إنما هو عالم روايات الكاتب الانكليزي تشارلز ديكنز الذي صور النخب المالية في عصره، ففي روايته البيت الكئيب تحدث ديكنز عن بيت يعج بالنفائس والحرير والمجوهرات، لكنه لايسمع صخب وتسارع حركة العالم من حوله، ولايستطيع رؤية دوران ذلك العالم حول الشمس.‏

ولهذا السبب فهو بيت ميت لاحراك فيه ويجب فتح نوافذه لتجديد الهواء ولسماع صخب العالم الخارجي المحيط به، فهل هناك حاجة للقول إن هذا البيت هو أميركا حالياً؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية