والأقل من المتوسطة وهذا يعني أن كل أسرة تمتلك لاقطاً تستطيع استقبال ما لا يقل عن 150 قناة فضائية عربية وأجنبية تنافس القنوات المحلية الأرضية, مما جعل التطور التكنولوجي في مجال الاتصال يدعو إلى الخشية من سطوته ولما له من آثار عميقة في تكوين الاتجاهات والثقافة العامة والتنشئة الاجتماعية في توسيع الفجوة بين الاباء والأبناء, الأمر الذي قد يفضي إلى أن تعيش الأجيال القادمة فعلاً في عزلة نفسية وتأثيره يفوق تأثير الوالدين والمدرسة والجامعة؟
مخرجات الثورة التكنولوجية
هذا ما آل بنا إلى لقاء الدكتورة فاتن بركات.. جامعة دمشق كلية التربية قسم علم النفس. هل حقيقة هم في عزلة فماذا تقولين: لقد تبدل مفهوم الاشراف الأسري على الأبناء وتحديد هذا المفهوم بثقافة التنشئة وتكبير الأبناء دون النظر إلى مدلول التربية أو اتجاهات التنشئة وانعكاسات ذلك على كثير من المعايير القيمية التي يقوم عليها بناء المجتمع العربي ولم تعد الأسرة الحاضن الوحيد والمناسب للنشء. فلقد وفرت لنا مخرجات الثورة التكنولوجية أنماطاً من وسائل الترفيه واللهو مما جعل دور الأسرة هامشياً ولا أدل على ذلك أن ما يقضيه الشاب أو الشابة مع التلفزيون أو الانترنت أكثر مما يقضيه من وقت مع والديه أو حتى في المدرسة.
تواصل افتراضي محل الحوار
هل دخول هذه التقنيات أدى إلى توسيع الفجوة بين الآباء والأبناء؟
ما هو معروف ظلت الأسرة والمدرسة.. تلعبان دوراً أساسياً في تكوين مدارك الإنسان وثقافته وتساهمان في تشكيل منظومة القيم التي يتمسك بها ويتخذها, معالم تتحدد من خلالها مقومات السلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء.
أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات الانترنت والهواتف النقالة والألعاب الالكترونية الأمر الذي فتح الباب أمام أنماط من التواصل الافتراضي الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة, ما ساهم في توسيع الفجوة وتكريس الصراع بين جيلي الآباء والأبناء.
من دون رقابة يصعب الدور
كيف نرتقي بفضائياتنا لتأخذ محور الايجابية.
إن الفضائيات قد تكون ايجابية الدور بوجود رقابة الأبوين مع تحديد أوقات معينة لمشاهدة برامج معينة، أما من دون رقابة فيصعب وجود أي دور ايجابي للفضائيات وهنا نؤكد على ضرورة تحديد الآباء ساعات المتابعة اليومية للأبناء سواء على التلفزيون أو الانترنت لكي لا يؤثر ذلك على نموهم النفسي والاجتماعي والمعرفي إذا ما تركت لهم حرية المتابعة.
فتح باب الحوار والمناقشة الدائمة بين الآباء والأبناء حول ما يعرض في التلفزيون أو على المواقع الالكترونية من أخبار ومعلومات وتبيان الآباء آرائهم ووجهة نظرهم بها والتعرف أيضا على آراء أبنائهم فيما يتابعون على هذه الوسائل وموقفهم مما يشاهدون ويسمعون ثم تبيان ما هو صحيح وما هو خاطىء من معلومات وأيضا لما يجب أن يتابعوه من برامج ثقافية وعلمية وترفيهية جيدة.
إقامة ندوات ومحاضرات للآباء والأبناء تتعلق بأهمية وسائل الاتصال الحديثة في تسهيل حياتنا وتسليط الضوء على آثارها السلبية إذا ما استخدمت بشكل يحقق الترفيه والتسلية والثرثرة واضاعة الوقت دون فائدة.
تقع المسؤولية أيضا على المحطات الوطنية بإنتاج برامج تلفزيونية ترقى إلى اهتمام وطموح المشاهد وتجذب انتباهه وخاصة جيل الشباب بحيث يجب أن تكون البرامج مواكبة للعصر وتتناول قضايا الشباب بجدية وترقى إلى مستوى تفكيرهم وتروي حبهم للاطلاع والمعرفة لكي لا يلجأ الشباب إلى محطات فضائية أخرى بحيث تتبع بعض الفضائيات سياسات تكرس فيها جذب الشباب العربي لبرامجها التي تقوم أصلا على تخريب عقول الشباب ببرامج لا ترقى إلى المستوى المطلوب وبعيدة عن عاداتنا وثقافاتنا وتقاليدنا.
إنشاء جيل واع
وأضافت د. بركات: فالتعامل الواعي والعقلاني مع هذه الظاهرة هو من الضرورة بمكان لمواجهة عولمة ثورة الاتصالات وحماية الأجيال الناشئة من الآثار السلبية التي يمكن أن تحمل بين ثناياها إغراءاتها التي تجذب الشباب دون قيود أو ضوابط، ويجب أن يتعاون الأهل والمدرسة والمجتمع لإنشاء جيل سليم واع يرتقي بتفكيره ويحمل مسؤولياته في النهوض بالمجتمع إلى الأمام.
وفي النهاية أمام هذه التأثيرات والمغريات وفي غياب رقابة التلفزيون والجهات الرقابية الأخرى التي أخلت مكانها وعملها، وإزاء القوة المتعاظمة لوسائل الاتصال المختلفة نجد أن أمام الأسرة منهجين لحماية نفسها من هذا المارد الذي لم يستطع القائمون عليه تركيب عقل له ليصلح بدلا من أن يهدم ويخرب، الأول المنع بأن تمنع الأسرة أبناءها عن كل شيء وتشكيل حصن منيع يحول دون وصولهم لذلك أو وصول ذلك إليهم.