تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة في حـدث... رسالة من عاقل

آراء
الأربعاء 6-1-2010
د. اسكندر لوقا

اسم على مسمى، هكذا يعرف الإنسان أحياناً، حين ينطبق الاسم على الصفة. إن المربي الكبير الدكتور فاخر عاقل، يستحق هذه التسمية لاعتبارات عديدة، في مقدمها أنه حقا رجل عاقل،

فمنذ أن عرفته، يوم كنت طالباً في كلية التربية في جامعة دمشق، رسخت أبعاد شخصيته الآسرة في ذاكرتي البصرية حتى ما بعد التخرج من الجامعة بسنوات، وبالتالي إلى اليوم.‏

وما استوقفني اليوم عند صاحب هذا الاسم، حديث أحد الزملاء عنه- هو الدكتور محمد جمال الطحان- في إحدى صحفنا المحلية قبل بضعة أيام، وجاء فيه قوله: إن الدكتور فاخر عاقل قبل دخوله مرحلة الغيبوبة، سطر رسالة إلى ابنه ناصحاً إياه بأن يواكب متطلبات العصر كي يحقق النجاح في حياته، وفي مقدمها العمل، وجاء في رسالته بالحرف: هذا العصر هو عصر العمل. إن إتقانك عملك، أيا كان هذا العمل، يقتضيك جهدا وعرقا وتعبا، وقديماً قيل إن 99٪ من النبوغ عرق جبين، فاجتهد إذا في سبيل إتقانك عملك يابني ولا تنس أن عصرك الذي تعيش عصر علم وثقافة وتخصص ..الخ.‏

وليس غريبا أن يودع الدكتور فاخر عاقل الحياة- أطال الله في عمره- بمثل هذه النصيحة التي تتخطى ابنه وصولا إلى أبناء الوطن كافة. فلقد عرفته إنساناً غيرياً بكل معنى الكلمة، مثلما عرفته باحثا ومؤلف عدد لا يقل عن الثلاثين من الكتب القيمة في مجال اختصاصه في علم النفس، فضلاً عن قاموسين في هذا السياق.‏

كما عرفته إنساناً وفيا لمن يخصه بالذكر في سياق حديث أو مقالة عن مكانة العالم الفذ في بلده، فيسارع إلى رد التحية بتحية أحلى. وله في هذا المضمار أكثر من إشادة بشخصي، لا قولا فحسب بل كتابة في صحف محلية لأنني حدثت قرائي ذات مرة عنه كأحد مفكرينا الكبار، وكموجه تربوي استثنائي يقارب عطاؤه عطاء النبع لا ينضب ماؤه ينهل من قطراته الصافية من شاء من أبناء الجيل الذي عاصره ومن يشاء من أبناء أجيال لاحقة.‏

إن الدكتور فاخر عاقل، الحائز على وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، يؤمن تحديداً بالتربية المنزلية. وفي السياق المتصل، يدعو الآباء والأمهات للعناية بأبنائهم خصوصا في مرحلة المراهقة وأن يتخذوا منها موقف الجد المتفائل، وأن يتسموا بالهدوء وسعة الصدر وحسن الفهم ولباقة الإشارة كما يقول. إنها كما يلاحظ معادلة تربوية تتخطى الكلمات المجردة من معانيها الواسعة في علم النفس كما في علم الاجتماع. وفي هذا المضمار لم ينس أنه ما دام قادراً على العطاء فسوف يتابع أداء مهمته التربوية ضمن المجال المتاح أمامه وهو مقيم، منذ عشر سنوات في دار المسنين في مدينة حلب، وبرعاية القيمين على الدار.‏

ويبقى الدكتور فاخر عاقل، اسماً على مسمى، لرجاحة عقله، وسعة معارفه لا في مجال اختصاصه فحسب بل في كل ما يتصل بهذا الاختصاص، تأكيداً على أن الإنسان ليكون سعيداً حقاً، عليه أن يقوم بعمله الذي يحب- كما في رسالته- على الوجه الأكمل وبالجهد اللازم.‏

صحيح إنها رسالة خاطب بها ابنه تحديداً، ولكنها مع ذلك تصلح لمخاطبة أي ابن كان من أبناء وطننا، فضلاً على أنها تصلح لتكون بوصلة تربوية يهتدي من خلالها الآباء والأمهات إلى طريقة التعامل مع ذريتهم. وفي اعتقادي أنه يبقى ثمة فرق أمامنا بين معرفتنا الطريق والسير عليه. ومن هنا قيمة رسالة كهذه يخطها بقلمه قبل دخوله مرحلة الغيبوبة، مفكر بحجم الدكتور فاخر عاقل شفاه الله وأطال في عمره.‏

Dr-louka@maktoob.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية