تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عن المكان الروائي

كتب
الأربعاء 6-1-2010
انور محمد

أكثر من احترمَ المكان سواءً أكان مكاناً خاصَّا أو عامَّاً في أدبنا العربي هم الشعراء الجاهليون؛ حتى إنَّ قصائدهم تبدأ بالوقوف على الأطلال – بقايا المكان/ الديار.

فنرى إدراكهم الحسِّي به وكيف ينشرون في فضائه قِواهم النفسية والعاطفية والفكرية؛ بل إنَّ بعضهم يمكن ان نسمِّيه (شوارعجي) من كثرة ماحكى وذكرَ الأمكنة في أشعاره.‏

لكن اليوم ومع هذه الحمَّى التي أصابت الأدباء!! «حمَّى كتابة الرواية» فلا نكاد نعثر على مكان سواءً أكان مقدَّساً أم عاماًً في رواياتهم, مع أنَّه شرطٌ من شروط تحقُّق الفعل الروائي إلى جانب الزمان. فالروائيون وخاصَّةً هؤلاء الجُدد الذين عثروا على حالهم في هذا الفن الذي ساهم في إثراء فكر عصر النهضة الأوروبية, تراهم لايذكرون المكان حتى لو كانت شخصيات رواياتهم من قطَّاع الطرق أو المجرمين.‏

فلقد استسهلوا الكتابة في هذا الفن الذي تحوَّل على أيديهم إلى مأوى للعجزة وعديمي الموهبة, فصارت الرواية هي المكان الذي يأوون إليه. مكانٌ سجنٌ لايغادرونه إلى أمكنة تالية فنرى اكتشافاتهم, وكانَّهم لم يقرأوا «ابن بطوطة» ولا «ألف ليلة وليلة» ليتعلَّموا كيف يتم اكتشاف المدن والانهار والجزائر والبحار والصحارى والجبال والوديان, والغرف السرية التي يتم فيها عقد المؤامرات والصفقات. عجيبٌ أمر هؤلاء الروائيين, فالمكان عندهم إن وُجِدَ وعثرتَ عليه فهو مكانٌ متوحِّش خالٍ من الإنس والجن إلاَّ من هواجسهم, التي تكشف سطحية تفكيرهم وانانيتهم؛ بل وجهلهم بمقوِّمات هذا الفن. فترى الرواية وقد طفحت بروائح الغرائز ولاسيما المغمَّسة بالشبق كعنصر جذب داعم, متناسين ان يحمِّلوا المكان دلالات وإشارات كما في روايات عبد الرحمن منيف أو نجيب محفوظ أو فواز حداد أو حنا مينه أو رشيد بوجدرة وإلياس خوري والطاهر وجمال الغيطاني وهاني الراهب وآخرين.‏

دلالات تبعث الجمال في إحداثيات المكان الواقعي أو المتخيَّل, باعتبارها إحداثيات موازية ومشاكسة لحياتنا التي نعيش, فتحضُّ قارئها على الحركة والفعل بدلاً من السكون؛ دلالاتٍ على الغالب تحفِّز إدراكنا الحسِّي بالمكان, فنراه بضوء الشمس والعقل معاً ليتشكَّل الزمن, وذلك حين ننتقل من أرض السواد إلى الشراع والعاصفة, ومن باب الشمس إلى الزيني بركات, ومن المهزومون إلى معركة الزقاق, ومن تياترو 49 إلى عرس بغل. فنرى (الزمن) وهو يمر متبختراً باعتبار انَّ المكان هو الميدان الذي سيكشفه الضوء الذي فوق في الرأس, وليس الذي في العين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية