تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لعبــة شـــدّ الحبــال فـــي المشــهد الثقافـــيّ

ثقافة
الأربعاء 6-1-2010م
محمود شيخ عيسى

يخيّم على المشهد الثقافيّ العربيّ ما يمكن أن نسمّيه بحذر مشوب باليقين لعبة شدّ الحبال بين طرفين يتنازعان الحبل بينهما، وكلّ طرف يدّعي أنّ النصر سيكوم حليفه في نهاية اللعبة،

هذان الطرفان هما: فئة تدعو للانفتاح على الثقافة العالمية انفتاحاً غير محدود ولا تبالي بالنتائج المترتبة عن هذا الانفتاح، وفئة تدعو إلى الدفاع عن ثقافة الأمة العربية في وجه تيّار يسعى جاهداً لطمس هويتها كمرحلة أولى واستئصال جذورها استئصالاً تاماً كمرحلة نهائية.‏

وحجّة الفئة الأولى ـ وتبدو مقتنعة تماماً بها، أنّ الثقافة العربية لا تستطيع بحال من الأحوال بناء معسكر خاص بها يعزلها عن التيارات الثقافية العالمية، هذه التيارات التي قلبت المشهد الثقافيّ العالميّ رأساً على عقب، لأنّ بقاءها حبيسة هذا المعسكر سيجعلها غريبة عن عصرها، مهجورة من قبل الآخرين، وفي مثل هذا الانعزال حكم عليها بالموت البطيء.‏

أمّا الفئة الثانية فترى اتجاه كثير من الدول في عصرنا الحالي لتحصين ثقافتها الوطنية والاستماتة في الدفاع عنها في وجه دعوات مشبوهة لتغييب هذه الثقافة ،ومن هذه الدعوات على سبيل المثال العولمة، ومع أنّ هذه الثقافات لا تملك ذلك الإرث العريق الذي تملكه الثقافة العربية، إلاّ أنها تحاول الظهور بمظهر المعتدّ بنفسه مالك الخصوصية المتميزة والشخصية القويّة، فما بالك بالثقافة العربية ذات الإرث الطويل العريض، أليس من حقّها الدفاع عن نفسها بكلّ ما تملكه من وسائل متاحة ؟!.‏

والآن إذا انتقلنا إلى المكان القريب الذي تجري فيه لعبة شدّ الحبال فإنّ انتقالنا يمكن أن يوصلنا إلى وضع أيدينا على جملة من الحقائق والمعطيات:‏

ليس هناك مؤشرات على قرب قيام هدنة بين الفئتين نظراً لتمسّك كلّ فئة بموقفها وإصرارها على أنها على صواب والفئة التي لا تشاطرها الرأي على ضلال.‏

كذلك ليس هناك مؤشرات على قرب حسم المواجهة لصالح هذا الطرف أو ذاك، لأن المواجهة حامية، وكلّ طرف يغذّي نارها بصورة مستمرّة.‏

تشير المعطيات إلى أنّ المواجهة ستكون طويلة الأمد، وقد تستمرّ عقوداً طويلة، لأنّ مظاهر التعب أو الملل لمّا تلحْ بعد على أحد الطرفين، ويبدو أنهما أعدّا العدّة جيداً لمواجهة طويلة الأمد.‏

ومن المؤسف أنّ هذه المواجهة لا تحمل طابع المواجهة الفكرية، وإلاّ كنّا علّقنا عليها نزراً يسيراً من الآمال، فقلنا مثلاً إنّها تؤدّي في النهاية إلى تلاقح الأفكار وولادة أفكار جديدة ، يمكن أن نعثر فيها على ما هو مفيد ونافع.‏

المواجهة ليست لصالح هذا الطرف ولا ذاك، وحريّ بهما أن يجلسا على طاولة الحوار، ويجب أن يكون حوار ناس يملكون السمع والبصر؛ لا حوار ناس فقدوا كليهما، ويجب أن يتذكّرا أنّ المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق كلّ فرد من الطرفين مسؤولية كبيرة، لأنّ لثقافتنا علينا حقاً، وهذا الحقّ يقتضي أن ندافع عنها وأن نجعلها منفتحة على الثقافات الأخرى في آنٍ معاً، ولو فعلنا ذلك لكنّا بحقّ أبناء مخلصين لأمنا الثقافة العربية وأكرمْ بها من أمّ نعتزّ بها اعتزازاً كبيراً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية