تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


على الطريقة الإيطالية

ملحق ثقافي
3/4/2012
إسماعيل ديب: كنت مسروراً في تلك الليلة بالعودة إلى منزلي، وإلقاء متاعب العمل خارج أجواء المنزل، ذلك المنزل الذي تلفه السكينة ويدغدغه الأمان،

وأنا الذي لا تشغله مشاريع ولا مصالح سوى ما تجود به سهرات الأصدقاء ولقاء الأحبة وأحلام بسيطة لا تتجاوز الحفاظ على أمن البيت وسكينته وتحقيق بعض الضروريات له، عدت أدراجي وأنا على رغبة تامة واستعداد كامل لتناول طبق من المعكرونة التي كنت على موعد معها في هذا اليوم.‏

فأنا أحب المعكرونة وشغوفاً بها وأرى فيها نفحة الخمائل وشموخ السنابل، ففي طعمها مذاق الأطفال ونكهة الرجال، أخبرني ابني بأن خالته المغتربة في ضيافتنا وأنها قد جلبت له هدية «حذاء» إيطالياً، كنت مندهشاً من ذلك الحذاء فللمرة الأولى أشاهد حذاء بأنف طويل ومعكوف إلى الأعلى يتصدر مقدمته، ليتفلطح في مؤخرته فبدا لي كأنه أبله مخمور أعياه السكر وأقعده الضجر. كنت متأكداً من أن فرحة ابني بالحذاء لن تطول كثيراً فهذا الأنف بدأ يتمطى في أول خطواته وكأنه يريد السعال، عدا عن تعثر ابني في ترويضه بسهولة تامة.‏

التزمت صمتي فأنا لست مسؤولاً عن اختياره ولن أكدر صفوة فرحه، ألقيت بنفسي على الكرسي منتظراً وصول طبق المعكرونة الشهي، لتخبرني زوجتي بأن طبق المعكرونة قد يطول إعداده بعض الوقت لأن شقيقتها ستعده على الطريقة الإيطالية، وأنني لن أنسى هذا الطبق الشهي. انتظرت ملياً ليطل الطبق القادم بوشاح قاتم وكأنه لوحة تجريدية تداخلت فيها الألوان وطمست معالم الأشياء فبدت طلاسم ورموزاً.. أمعنت في الطبق باحثاً عن المعكرونة المنشودة والتي احتجبت بشرائح الجبنة وغمائم التوابل والبهارات أدركت أن تلك المعمعة تحتاج للأوراق والشوكة، والسكين واللباقة والعزم المتين... تمنيت لو قدمت علي تلك الوجبة ببدلة العمل.‏

غرزت الشوكة بلياقة مصطنعة ورفعتها عالياً لأجد نصف الطبق قد أصبح معلقاً في الهواء.. حاولت تلافي القضية، فوقعت في شر البلية إذ سقطت الحزم على صدري الواهن، لترسم بقعاً صفراء ولتصبغ القميص بلون آخر، قالت زوجتي: هذه المعكرونة على الطريقة الإيطالية. صرخت لا أحب شيئاً!! إلا بالطريقة العربية... فهموني يا ناس!! والتفت إلى زوجتي لأخبرها.. بأنني لن أنسى هذا الطبق مدى الحياة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية