تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هارتموت فاندريتش.. صديق الأدب العربي

ملحق ثقافي
3/4/2012
ترجمة: سعاد صبيح:هارتموت فاندريتش مترجم ومستشرق ألماني تعلم اللغة العربية في ألمانيا، وبعد ذلك في أميركا حين كان طالباً في كاليفورنيا في لوس أنجلوس مختصاً بالأدب العربي القديم.

بعد أن أنهى دراساته زار العالم العربي فكانت مصر وجهته الأولى في نهاية السبعينات، وكانت هذه الزيارة بمثابة صدمة بالنسبة إليه، فهو قد نشأ في مدينة صغيرة ووصل إلى القاهرة وهي مدينة كبيرة جداً،‏

ومستوى الحياة اليومية مختلف جداً عما كان يعرفه في أوروبا. وفاندريتش هو أستاذ للأدب العربي في جامعة زيوريخ والمشرف على السلسلة العربية في دار «لينوس» السويسرية. اهتم كثيراً بالدراسات الإسلامية والشرقية قبل أن ينتقل إلى حقل الترجمة الأدبية. وقد ترجم فاندريتش ما يزيد عن خمس وخمسين رواية عربية إلى الألمانية، وحاز على جائزة مدينة برن لترجمته رواية «اللجنة» للروائي المصري صنع الله إبراهيم عام 1988، وحصل على الجائزة الأدبية من جامعة الدول العربية لنقله نصوصاً عربية معاصرة إلى الألمانية عام 2004، وغيرها من الجوائز التي توجت عمل هذا المستشرق الألماني. وقد شارك فاندريتش عدة مرات في لجنة التحكيم لبوكر العربية، كما أنه قد تم تكريمه مؤخراً في دار نلسن للنشر في دار الندوة في بيروت وبرعاية وزارة الثقافة.‏

عمل فاندريتش على ترجمة أصناف عديدة من الروايات العربية منها الواقعية والرمزية والأسطورية والتراثية والحديثة، وقد تركزت ترجماته على أعمال الروائيين الذين من جيله أو أكبر. وهو يختار عموماً الروايات المشهورة في العالم العربي لأن هذا مهم جداً بالنسبة إليه، فهو لا يريد أن يقدم بعض الروايات العربية فقط ولكن في الوقت نفسه يريد أن يقدم الرأي العام في العالم العربي حول الأعمال الأدبية، ولهذا اختار ترجماته من بلدان عربية مختلفة. بدأ فاندريتش ترجماته مع الأدب الفلسطيني ثم المصري ثم اللبناني، وكانت بداياته مع غسان كنفاني «رجال في الشمس، وعائد إلى حيفا، ومختارات قصصية» وسحر خليفة.‏

يقول فاندريتش في إحدى لقاءاته الصحفية: «اخترت كنفاني بسبب السجالات التي كانت تدور في ألمانيا وأوروبا بشأن الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد حصار بيروت عام 1982، فكثير من الناس بدأوا بالتساؤل هل هناك شيء في العالم العربي غير الإرهاب؟ فبدأوا البحث عن أشياء ثقافية، وهو ما دفع بعض الناس إلى الاهتمام بالأدب العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً. صحيح أن المنطلق كان سياسياً إلا أن حبي للأدب جعلني أتجه إلى الروايات لا إلى الدراسات السياسية». ومن بعد كنفاني وخليفة ترجم هارتموت لجمال الغيطاني، وإدوارد الخراط، والطيب الصالح..... وغيرهم من الروائيين المهمين في العالم العربي.‏

يرى فاندريتش «أن الاهتمام الغربي الفوري الذي أعقب هجمات أيلول الإرهابية لم يكن إيجابياً، بل أدى إلى سوء فهم كبير. وبدلاً من سلوك الطرق الثقافية والحياتية الملائمة للتعرف إلى ذلك الآخر «المسلم العربي» تهافت الأوروبيون على شراء نسخ من القرآن معتقدين أن القرآن سيقدم لهم معلومات من هذا النوع. فبرأيه أن مشكلة الأوروبيين تكمن في أن كثيرين منهم يتوهمون أن الحياة في المجتمعات الشرقية تجري بصورة مختلفة تماماً عن مجتمعاتهم. للأسف هذه النظرة إلى الشرق مازالت قائمة». وهذه النظرة التي ينتقدها فاندريتش قد تسربت إلى عالم الأدب أيضاً. إن الأدب في رأي فاندريتش في النهاية يحكي عن مجتمع ما، عن أفكاره وتقاليده وتصرفات الأفراد والشرائح فيه. فالأدب ليس وثيقة بالطبع، لكنه طريقة ما لتقديم المجتمع وتوثيق أفعاله. التعامل مع الأدب العربي بهذه الطريقة لا يمثل سابقة، فالأوروبيون يفعلون ذلك مع كل أدب جديد ينقل إلى لغاتهم. فقد حدث هذا حتى مع أدب أميركا اللاتينية حين بدأت ترجمة أعمال ماركيز وأستورياس ويوسا.. وغيرهم.‏

ونشاط فاندريتش في الترجمة لا يحصى، فهو المشرف على أعمال الترجمة واللجنة الاستشارية والمترجم في دار لينوس السويسرية ولا يوجد غيره في هذه الدار. إذ يختار بنفسه الكتب المناسبة للترجمة معتمداً في ذلك على زياراته المتكررة للدول العربية وحضوره لمعارض الكتب في هذه الدول، وعلاقاته القوية مع الكتاب والنقاد العرب، يتحدث معهم بشأن الإصدارات الجديدة، ثم عليه إقناع دور النشر الألمانية بتبني عملية الترجمة.‏

كما كل مترجم فإن فاندريتش يواجه صعوبات كثيرة منها صعوبة في نقل ما يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية، المأكولات والملابس مثلاً. فهناك أشياء غير موجودة في لغته الألمانية وعليه أن يبحث ويبتكر معادلاً ألمانيا لها. «ففي كل ترجمة تفقد شيئاً وتربح شيئاً» كما يقول فاندريتش. كما أنه يجد مشاكل تتعلق بتعقيدات أسلوبية يلجأ إليها بعض الكتاب العرب، وهذا برأيه يؤدي إلى صعوبتين: الأولى في الترجمة، والثانية في تلقي القارئ الألماني لها. فرواية «المتشائل» لإميل حبيبي أو «الزيني بركات» لجمال الغيطاني كان نقل الأسلوب اللغوي فيهما إلى اللغة الألمانية عملية شاقة جداً، وفي المقابل لم يجد صعوبة في ترجمة «عمارة يعقوبيان» للروائي علاء الأسواني فهي برأيه من أسهل الروايات التي ترجمها ومن أجمل ما ترجم أكان ذلك من ناحية الأسلوب أو ناحية المضمون، بفضل أسلوبها الواضح ولغتها المتداولة وأفكارها السلسة، وهذا سبب نجاحها في فرنسا.‏

وفاندريتش بطبعه يتصل بمؤلف الرواية ويستوضح بعض المعاني منه ليتأكد من صحة معلوماته، وكان هذا تسهيلاً لعمله ومتعة مضافة. أما أصعب الروايات التي ترجمها كانت برأيه هي «المجوس» لإبراهيم الكوني بسبب اختلاف نمط المؤلف عن الأنماط المعتادة في الروايات العربية، فهو لم يتناول حياة مدينة أو قرية بل حياة الصحراء والعرب الرحل لكونه هو من الطوارق، وبالتالي فاللغة والمضمون والأسلوب كانت جديدة على فاندريتش وبحاجة إلى مجهود مضاعف.‏

لا يتوقف عند حد في ترجماته فهو يعتبر أنه برغم كل تلك الصعوبات والخيبات فهو ما زال يشعر بمتعة في عمله ما يدفعه إلى الاستمرار. مع أن الترجمة لا تطعم خبزاً، فهو كما يقول لا يعيش من الترجمة بل من عمله كأستاذ للأدب العربي في جامعة زيوريخ منذ البداية. فقد كان هدفه هو أن يقدم شيئاً مهماً للقارئ الألماني. ولطالما اعتقد أن الأهم هو أن نعرف كيف يعبر العرب عن أنفسهم وعن عالمهم، فهو لا يكتب عن العالم العربي بل ينقل العالم العربي إلى الألمانية لكي يقرأ الألمان هذه الأفكار، هذه الأحلام، هذا التعبير عن العالم العربي من العرب أنفسهم.‏

أما علاقة فاندريتش بالشعر فهي صعبة بالأساس. فهو يجد متعة كبيرة في قراءة النثر خصوصاً أن عصرنا هو عصر الرواية. والشعر برأيه ليس ديوان العرب، ولم يعد ديوان الألمان حتى، فالرواية بنظره هي ديوان العالم.‏

ويرى فاندريتش أن هناك تقصيراً من العرب في نشر ثقافتهم للعالم، فخلال الخمس وعشرين سنة التي ترجم خلالها من الأدب العربي لم ير أبداً أي اهتمام عربي بالنسبة للترجمة علماً أنه كان دائماً مدعواً للمؤتمرات في مصر وفي لبنان أو في بلدان أخرى وكان يجد خلالها أن الدعم المعين للترجمة لنشر الكتب المترجمة في ألمانيا وفي سويسرا ناقصاً، ويقول عن هذا الصدد: «لنا صورة عن الشرق وطبعاً في الشرق فيه صورة للغرب أيضاً وهذه مشكلتنا الكبيرة بين الشرق والغرب أن لكل واحد صورة عن الآخر، فالمسألة الآن كيف نغير هذه الصورة؟ أو كيف نحسن هذه الصورة؟ نحن المترجمون هنا في أوروبا في الغرب نعمل من أجل العرب لتعريف الثقافة العربية هنا في الغرب، أنا أعتقد أن هذه العملية تستحق الدعم العربي».‏

ولهذا فإن فاندريتش يعتبر رمزاً من رموز الانفتاح والتواصل في العالم وجسراً من جسور هذا التواصل الذي لا غنى عنه في دفع الحضارة البشرية، وهو بترجمته للروايات العربية إلى اللغة الألمانية لغة «غوته» يعد رمزاً للتعاون بين الثقافات والحضارات، بقيامه بشكل غير مباشر بتعريف الغرب على الشرق بصورة وبإحساس المقيم في الشرق «ترى هل سيصبح العالم لغة واحدة؟».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية