تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في الإبداع الأدبي

ملحق ثقافي
3/4/2012
د. قاسم المقداد

مما لاشك فيه أن الأدب إبداع بوصفه يُنتج نصوصاً جديدة، نصوصاً أصيلة، على الرغم من معرفتنا بأنه ما من نص إلا ويستند على نصوص أقدم منه

راسخة في ذاكرة المبدع «التناص». هو إبداع لأنه يخلق أفكاراً وصوراً وشخوصاً أي أنه يُنتج عوالم جديدة.‏

يبدو أنه هناك أربعة أشكال تتصارع في ما بينها لتصور الفعل الإبداعي. الأول يرى في الشاعر إنساناً متحمساً مسكوناً بالوحي الإلهي كما يرى أفلاطون. والثاني يرى فيه صانعاً وحرفياً يملك تقنية خاصة به، مما حدا بأرسطو إلى وضع كتابه الشهير «الشاعرية».‏

وثمة شكل ثالث له علاقة بالنصوص البلاغية والخطباء، وينقسم بدوره إلى شكلين: أولهما يرى في الخطيب إنساناً صحيح الكلام وصادق المشاعر، أو هو متلاعب باللغة والآراء. أما الشكل الرابع فهو أن يتحدث الإنسان أو يتكلم أو يكتب ليعبر عما هو حقيقي وفقاً لمقتضيات العقل، وهو الحكيم والفيلسوف والمؤرخ.‏

من هذه الأشكال الأربعة متح المتحدثون والكتاب عبر التاريخ، وصُنّفوا بالنسبة لهذا الشكل أو ذاك بعيداً عن التفاصيل والخصوصيات: ففي روما قام فيرجيل بمحاكاة إلياذة هوميروس. وهوراس حاكى أرسطو في كتابه حول «الفن الشاعري». وهكذا نرى أن فكرة المحاكاة قد اجتلت قسماً كبيراً من تاريخ الإبداع الأدبي، لا سيما من الناحية الشكلية. فأُطلق اسم «الشاعر» على ناظم الكلام أو المُلهَم، و»المؤلف» الذي يُفترض أنه يقول ما يقول من دون التزام بقالب شكلي سابق، وراج اسم «الكاتب» منذ القرن السابع عشر للتعبير عن أن الشكل قد أصبح إبداعاً في حد ذاته. وبرزت مفردة «العبقرية» في عصر الأنوار وقد خص بها ديدرو، في القرن الثامن عشر، بعض الناس دون غيرهم. وهي رؤية سرعان ما ترسخت عند الرومانتيكيين. فقد رأى فيكتور هيغو أن الكاتب والشاعر على نحو خاص عبقري يوحى إليه فيكشف الحُجُب عن حقائق تعجز عنها اللغة العادية، وهو بمثابة نبيّ أو شخص مقدس يعود الأصل في إبداعه إلى التعالي. بعضٌ آخر، ونعني به المدرسة البارناسية، يرى أن فعل الكتابة إن هو إلا عمل يقوم به مُحترفٌ في سبك الكلمات وحُسن صياغتها وظهرت مقولة «الفن للفن». نفر آخر لا يرى في الكتاب الصحفيين والمتسلسلات مبدعين بل مجرد «مُنتجين»، وظلت مثل هذه الرؤى طاغية في أوروبا طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين.‏

الشاعر الفرنسي رامبو، ومالارميه والسرياليون وغيرهم، رأوا في الإبداع مدخلاً إلى التعالي «في صورة الرائي». المُبدع مُختلف، ولأنه كذلك يعجز العاديون عن فهمه «قصيدة طائر القطرس عند بودلير». واستمرت هذه الصورة حتى ظهور «الرواية الجديدة». أي صورة الإبداع بما هو عمل شكلاني دقيق، يسعى إلى سبر أغوار اللغة بحثاً عن معنى أو «المعنى». وقد ذهب فاليري إلى حد القول إن الله يوحي للمبدع بالفكرة الأولية أما الباقي فيتكفل به الكاتب.‏

لا شك في أن الحديث في هذا المجال طويل ومعقّد. لكن يمكن القول إن فكرة الإبداع الأدبي تبقى خاضعةً لتصورات متعددة ومتناقضة لن يتوقف الجدل حولها أبداً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية