تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الارتزاق الإمبريالي في بازار اسطنبول

شؤون سياسية
الأربعاء 4-4-2012
بقلم: علي الصيوان

خرجت الوزيرة كلينتون في 31/3/2012 سعيدة من الاجتماع المغلق مع نظرائها الخليجيين, لسببين: 1-لأنها ضمنت تسويق منتجات المجمع الصناعي الحربي الأمريكي بقبضة جديدة من مليارات الدولارات,

تسعف الولايات المتحدة في مكابدة أزمتها المالية التي يقال إنها “عالمية”!. 2-لأن صفقة تسليح دول الخليج بمنظومة الدرع الصاروخية, هي محصلة تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة, بما يحل ايران محل “اسرائيل” في خانة عدو العرب!.‏

وهي حملت هذين السببين المبهجين إلى مهرجان التكاذب المتبادل في اسطنبول 1/4/2012 حيث يمارس الامبرياليون, من كل الأجناس, الاستثمار في حقل تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة العربية, بما يحقق أغراضاً نفعية اقتصادياً لعواصم “العالم الحر”: واشنطن ولندن وباريس بخاصة, وبما يصون أمن “اسرائيل” الذي ارتقى عند أوباما إلى مرتبة المقدّس.‏

وهنا مستودع الأسرار في محاولة استنساخ السيناريو الليبي حيال سورية.‏

وهنا كذلك مطبخ التكاذب المتبادل بين النواة الصلبة في مجلس اسطنبول, وبين الامبرياليين الطامعين بالسيولة النقدية عند النفطيين العرب.‏

أبرز محاور التكاذب المتبادل في اسطنبول:‏

أولاً: تدرك كلينتون أن الخليجيين يدركون أنها تكذب حين تثير مخاوفهم من “الخطر النووي الإيراني”. ومع ذلك فهم لا يملكون إلا أن يصدقوها. لكون تسليمهم بما تقول واشنطن علامة مسجلة على دبلوماسية, ممتدة وعابرة للحقبة السوفييتية, وصولا إلى الحقبة الإيرانية, سواء في مرحلة التوريط الأمريكي-الخليجي لصدام حسين في حرب الثماني سنوات, أو في المرحلة النووية وما تتطلب من ابتياع سلاح بمئات مليارات الدولارات.‏

ثانيا- تناهض الولايات المتحدة التطور الصناعي في أي دولة في الإقليم الذي بات يعرف بـ«الشرق الأوسط», لأن تطورا كهذا دعامة للسيادية والقرار الوطني المستقل. ولذلك تناهض ايران, بعد طول صداقة مع الشاه.‏

ولم يكن من باب الطرفة أن يتساءل الرئيس الأمريكي السابق بوش: لماذا تسعى طهران إلى امتلاك الطاقة النووية مع امتلاكها كل هذه المصادر من الطاقة النفطية, بترول وغاز؟!‏

التساؤل الأمريكي يتضمن مقايسة مع ايران الشاه ومع السعودية التي تنفق أنهارا من النقد في شراء السيارات الفارهة وأدوات الاستهلاك الباذخ, في حين انعطفت ايران ما بعد الشاه إلى التشييد المتحضر لمقومات بنية تحتية في الصناعة والزراعة والخدمات, ضامة للانفكاك عن عجلة السوق الإمبريالية.‏

ولذلك لا تملك واشنطن إلا أن تناهض هذا النموذج الإيراني الذي -اذا عمّ- يقتل دجاج الخليج الذي يبيض لها ذهبا.‏

ثالثا- في التكاذب المتبادل بين كلينتون وبين النواة الصلبة في مجلس اسطنبول يدرك برهان غليون أنها تدرك أنه لا يقول الحقيقة حين يتحدث عن “قصف كثيف” تمارسه سورية برا وجوا وبحرا لـ«المتظاهرين السلميين», ليس انتصارا منها لأي سوري ولا احتراما للحقيقة, بل لكلفة باهظة تترتب على استنساخ السيناريو الليبي في تخديم طالبيه السعودي والقطري وثالثهما نبيل العربي.‏

واشنطن ترى أن هذه الكلفة باهظة لاختلال في الموازنة مع مردود لا يذكر قياسا على نفط ليبيا, وقياسا على افتقار “المعارضة” الاسطنبولية لضمانات ضد فوضى عارمة تنشأ عن عجز تشرذمها في تحمل مسؤولية رجال الدولة فيما يخص أمن أصدقاء واشنطن.‏

ومع ذلك تصدق واشنطن ظاهرة اسطنبول الصوتية كونها إساءة صاخبة لدمشق, بوصفها العقبة الكأداء أمام تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.‏

وهنا البيدر الذي يمكن التعويل على حسابه.‏

اذ إن كمية الارتزاق الإمبريالي من بازار اسطنبول تقاس بفاعليته في مشروع “شرق أوسط جديد”, أخفقت واشنطن في بلوغه من طريق المؤتمرات الاقتصادية الأربعة بين عامي 1993-1997 ومن طريق العدوان على لبنان 2006, وتحاول التجريب الآن حيال سورية بالتخريب لشطب هذا الرقم الصعب الذي تمثله دمشق في معادلة الشرق الأوسط.‏

ثم إن واشنطن وشركاءها في العالم الإمبريالي يرسمون حساباتهم على أساس الخطر المتنامي الذي تمثله دول البريكس (البرازيل- روسيا- الهند- الصين- جنوب إفريقيا) على صنبور الارتزاق في الوطن العربي, من خلال التوجه إلى التعامل الاقتصادي, استيرادا وتصديرا, مع هذه الدول واعتماد سلة عملاتها بديلا من الدولار واليورو.‏

ولدرء هذا الخطر, لم يتردد آلان جوبيه في ممارسة التكاذب المتبادل مع أردوغان في شأن المسألة الأرمنية, التي نسياها معا بكل ما تثيره من توتر بين أنقرة وباريس, وذلك لأرجحية إيقاف “الخطر الصيني” على الاقتصادات الإمبريالية في المدى المنظور.‏

ومن هنا كان الانغماس الإمبريالي الشامل في ظاهرة اسطنبول الصوتية لتكوين بيئة سياسية وإعلامية حاضنة لديمومة الارتزاق الإمبريالي في هذه البقعة من العالم, من دون خرق ذي مغزى كالذي تمثله السياسات الوطنية المستقلة في الإقليم وفي العالم الواسع, اذا أخذنا في الاعتبار أن اختزال الـ«بريكس» بما كان يحكى عن “الخطر الصيني” قبل نصف قرن, إنما هو محصلة معطيات حاكمة بنهضة أممية عابرة للقارات ضد الهيمنة الإمبريالية, لكوريا الديمقراطية وايران وسورية وكوبا وفنزويلا, (محور الشر) حسب التعبير الأمريكي, موقع بارز فيها, وموضع رمايات متصلة, من باب “عنزة وإن طارت”.‏

Siwan.ali@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية