تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إسماعيل كاداريه.. وجه ألبانيا الأدبي

كتب
الأربعاء 4-4-2012
مما لا شك فيه أن الكاتب الألباني إسماعيل كاداريه كان وجه ألبانيا الذي رآه العالم خلاله.

فلولاه لم يكن لألبانيا هذا الحضور الماثل في ذاكرة القراء لقد كانت ألبانيا قبله رقعة أرض على الخريطة وأصبحت بعده روحاً ونبضاً عالمياً، يعلي قيم الإنسان ويعكس تطلع الشعب الألباني إلى العدل والحرية والحياة الكريمة الآمنة.‏

بفضله عرف العالم روح الشعب الألباني وتراثه وقيمه وأساطيره التي تجسد عاداته وتقاليده ومثله ومن هذا المنطلق يجب أن نحكم عليه بعيداً عن تصرفاته الإنسانية في مواقف الحياة.‏

ولد إسماعيل كاداريه في مدينة بجنوب ألبانيا عام 1936 والتحق بعد دراسته الثانوية بكلية الآداب في جامعة (تيرانا) وتخرج منها عام ١958، وحصل على منحة دراسية لمتابعة دراسته في معهد (غوركي) للآداب العالمية، فاطلع على الثقافة الغربية وبرز اهتمامه بالشعر منذ أن كان في الحادية والعشرين من عمره وتطلع إلى التغيير فكان باكورة نتاجه الأدبي روايته الأولى بعنوان (مدينة بلا إعلانات) التي وضع مسودتها في موسكو وحاول نشرها بعد عودته إلى وطنه.‏

ثم كتب روايته التي حققت له شهرة عالمية بعنوان (جنرال الجيش الميت) عام 1963، هذه الرواية فتحت له أبواب الشهرة العالمية، وترجمت إلى لغات عدة وأتاحت للعالم أن يطلع على صورة ألبانيا وبطولات شعبها وأعرافه وتقاليده، ونأى فيها (كاداريه) عن المباشرة ومنحها نفساً شاعرياً فيه من الحرارة والصدق ما يبعده عن الدعاوى.‏

بعد هذا النجاح، نشر كاداريه رواية قصيرة وعنوانها (الوحش) استفاد فيها من واقعة حصان طروادة أمام أبواب ايليون المقدسة محاولاً إسقاط الماضي الأسطوري على حاضر، فقد آثر بعد ذلك أن ينعطف إلى أساطير بلده ألبانيا وإحيائها في التعبير عن تطلعاته الوطنية وهي أساطير تعكس روح شعبه وتشده إلى متابعة تطلعاته الوطنية، وتشده كذلك إلى متابعة تطلعاته الإنسانية.‏

ومن هنا انطلق (إسماعيل كاداريه) في رواياته اللاحقة إلى إحياء تراث ألبانيا الأسطوري والإفادة منه في إسقاط ما يريد إسقاطه من أفكار تحررية لبعث العزيمة في نفوس الألبان، الذين تهزهم هذه الأساطير ويرون فيها حكمة الماضي لبناء الحاضر، وفي عام 1968 أصدر كاداريه روايته (العرس) واختار إطاراً اجتماعياً يهاجم الاقطاعيين والمتنفذين، ويحض على تصفيتهم وإنهاء تسلطهم ومظالمهم، وبدا فيها الكاتب ملتزماً أفكار الحزب في تحليله المانع لصراع الطبقات، وفي عام 1970 أصدر كاداريه رواية تناول فيها بطولة الشعب الألباني في الدفاع عن حصن حاصره العثمانيون في القرن الخامس عشر، لكن الرواية خضعت لتأويلات شتى لأنها تسمح بأكثر من إسقاط سياسي.‏

وفي عام 1973 حاول كاداريه أن يبرز الموضوع ذاته في رواية بعنوان (خريف مدينة) عرض فيها تحرير مدينة تيرانة من قوات الاحتلال الألماني وتماثل موضوعها ونهجها مع روايته السابقة من الاهتمام بها.‏

ولم تنل روايته اللاحقة وعنوانها (الشتاء الكبير التي تناول فيها الخلاف الألباني السوفييتي في عام 1961 وانضمام ألبانيا إلى المعسكر الصيني الماوي، لطبيعتها السياسية وطغيان الفكر السياسي على محتواها، وضعف بنيتها الفنية.‏

ويعيد كاداريه في رواية (فجر آلهة السهوب) ذكرياته في (موسكو) يوم كان طالباً يتناول فيها قصة حب بطلها لفتاة روسية مسبغاً على هذه العلاقة بعداً إنسانياً واجتماعياً.‏

ويعود الكاتب بعد ذلك إلى التاريخ، ويحتفي بكل ما هو ألباني يقدمه كتراث لبلاده ويرى فيه الأسلوب الأمثل للتعبير عن قيمه وأفكاره.‏

وأصدر كاداريه في عام 1978 رواية عنوانها (الباشويات الكبرى) سلط فيها الضوء على شخصية علي باشا الذي حاول أن يستقل عن السلطة العثمانية مستعيناً بالغرب، لكن العثمانيين دبروا له مكيدة قطعوا فيها رأسه وأرسلوه إلى الباب العالي.‏

وفي عام 1979 أصدر كاداريه رواية عنوانها (لجنة الاحتفال) تناول فيها واقعة تاريخية معروفة في التاريخ الألباني، إذ عمدت السلطة العثمانية إلى تدبير مؤامرة هدفت إلى تصفية خمسمئة عنصر من أعيان الألبان بدعوتهم إلى احتفال في مدينة (مناستير) وقضت عليهم وندد الكاتب بالروح التآمرية والدموية للحكم العثماني.‏

وينعطف كاداريه نحو الرواية الإيديولوجية فيصدر رواية عنوانها (حفلة موسيقية في نهاية الشتاء) تناول فيها وجهة نظر الحزب من الخلاف المتفاقم بين ألبانيا والصين وكذلك رواية (الملف) انتقد فيها فترة حكم الملك أحمد أوغو بالسخرية خلال متابعة بطليها الباحثين الغربيين اللذين يزوران ألبانيا للاطلاع على تراثها الشعبي لكنهما يخضعان لمراقبة السلطات ومضايقتها، ما يعكس عزل ألبانيا عن العالم وتقوقعها بعيداً عن الانفتاح والتواصل، وفي عام 1990 غادر إسماعيل كاداريه بلده ألبانيا إلى باريس ونشر رواية عنوانها الهرم عام 1992.‏

إسماعيل كاداريه شاعراً‏

إسماعيل كاداريه متنوع المواهب الأدبية، فقد مارس إلى جانب نظم الشعر كتابة القصة والرواية والمسرحية والدراسات الصحفية والنقدية والبحوث الاجتماعية وحظيت أعماله باهتمام كبير، وترجم بعضها إلى مختلف اللغات العالمية، وهو في كتاباته الشعرية والنثرية لا يقيم حدوداً صارمة بين الشعر والنثر أو بين الفنون الأدبية المختلفة التي تناولها، فواقعيته مفعمة بنزعة شاعرية تمزج بين الخيال والواقع والعاطفة والعقل.‏

ويتناول في شعره الموضوعات الواقعية التي تستجيب لمشاعر الناس العاديين من أبناء شعبه وتنسجم مع تطلعاته شعر التاريخ والحرب والاحتلال والمقاومة فكأنه لا يريد أن يكتب إلا الشعر الذي يتجه إلى الناس البسطاء، فيخاطبهم بغنائية ساحرة، وبكل وضوح وبساطة بلغة يفهمها الجميع، بعيداً عن كل تقليد لشعر النخبة، وكأنه يستعيد غنائية الشعر الألباني القديم وأغاني الفخر بالأمجاد السالفة، ولكي يسترد الشعر هذه الشعبية، لابد له أن يمس الإحساس والذاكرة الشعبية ورموز المقاومة والصمود لدى الشعب الألباني.‏

أيضاً شكلت الطبيعة الألبانية إطاراً لشعر كاداريه الوطني بأرضها وغيومها وأشجارها حتى لكأنها حليف الإنسان في تنقية سماء بلاده.‏

الشعر عند إسماعيل كاداريه تعبير مباشر وشخصي عن عواطفه الذاتية لكنه ليس نقلاً للواقع، وإنما هو أمنية يستميل به الواقع إلى لون من التماهي الذي يستند إلى قوة الخيال، وروعة الإيحاء، إنه بنبعث من أعماق أسطورية ويتكئ على فتنة الفن، إذ لابد للشاعر من أن يلجأ إلى مثل هذا الحذق الذي لا ينضب ولو كان في ذلك تعارض مع المباشرة، والصدق، والواقعية، فالهوة تتسع في شعر كاداريه ومسافة الابداع تكبر بين ما يطمح إليه الشاعر من واقعية حسية، وما يبلغ إليه شعره من ألوان بلاغية كالإحياء والتشخيص واستنطاق التاريخ والأساطير والعاطفة الرومانسية المشبوبة.‏

ولعل ما يميز شعر كاداريه المقاطع الشعرية التي تتعلق باللوحات الوصفية إذ يبدو الشاعر أكثر استجابة لمشاعره الذاتية وتبدو لوحاته تعبيراً صادقاً عن ذاته، بالعموم كاداريه تبنى في نتاجه الشعري ورواياته الاتجاه الواقعي الجديد أي الوصف الموضوعي للواقع الاجتماعي المعاصر وخاصة حين يركز على الوسائل والاهتمامات النابعة من حياة الشعب الألباني، كذلك بدا في غالب أعماله شديد الاحتفاء بالواقعية التاريخية، لكنها ليست تلك الواقعية التي تربط بين الماضي والحاضر في تواصل واستمرار.‏

الكتاب - إسماعيل كاداريه شاعر وروائي من ألبانيا. - تأليف وترجمة: عبد اللطيف الأرناؤوط. - صادر عن سلسلة أعلام الأدب العالمي - العدد 3 - قطع متوسط في 136 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية