تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فرانسوا كلواريك .. متعة السفر في مجاهل ( الأنا ) .. !

كتب
الأربعاء 4-4-2012
لميس علي

( للوصول إلى قرارة النفس .. يحتاج المرء إلى الآخر ) .

الآخر المفتاح .. اللغز .. الهدف .. الذريعة .. الغاية .. نقطة انطلاق و خط نهاية .. جوهر وجود .. و ذروة عدم .‏

باختصار .. إنه مرآتك .. ما أنت عليه بصورة أخرى .. تخالفك و توافقك بالآن ذاته .‏

و لمن ضيّع ( أناه ) .. و تماهت حدودها و محدّداتها في ثنايا روح ( الآخر ) .. تبوح له فرانسواز كلواريك بنصيحة ( السفر ) .. المضي في رحلة مكانية.. و لعلها زمانية أيضاً .‏

نصيحة كلواريك تأتي عن تجربة و خبرة .. عن معاينات و مشاهدات عاشتها خلال خمس عشرة زيارة قامت بها إلى سورية و لتكون محصلة هذه الزيارات خمسة كتب منها رواية ( الخان ) التي تسرد فيها حكاية رجل .. يسعى هروباً من حب مضنٍ .. يلجأ إلى السفر .. يمضي من الغرب فإذا به يكتشف الشرق .‏

يأتي إلى دمشق و منها إلى حلب .. يصف مشاهدات .. و يعيد تأملات .. يبصر .. يكتشف .. يتمعّن .‏

بطل الحكاية جان باتيست ( منذ أن وطأت قدماه الأراضي السورية ...تصالح مع العالم .. بدّل رغبته دون أن يرف له جفن .. تعلم من جديد كيف يعيش و كيف يشعر و كيف يرى . كان الضوء المبهر في بعض الأحيان ، يؤذي عينيه المتعبتين لكنه لا يثنيه عن تأمله . تعجز الكلمة عن وصف جمال اللحظة ، و القوة المنبعثة من الأمكنة . لقد ألقى بنفسه في كون خالد ، يغوص في جذور العالم ) .‏

في قلب دمشق .. مشى .. و أمام روعة اللحظة تساءل ( هل يمكن للجمال أن يُشفي من كل شيء .. ؟ ) .‏

على لسان البطل .. يأتي التساؤل .. و لعل المؤلّفة كلواريك تورده على سبيل الإجابة التي تؤكّد أهمية الجمال المدهش .. المحير .. الساحر .. و الضروري كعلاج أكثر من مخلص .‏

من كتبت ( سورية ، رحلة في الذات ) لن تبتعد في عملها هذا ( الخان ) عن معنى الرحلة التي تقصد .. إنها رحلة مزدوجة .. ذات خطين متواجهين .. أحدهما نحو الخارج و الآخر نحو الداخل .‏

رحلة جان باتيست لم تكن مكانية خارجية ظاهرة بمقدار ما كانت داخلية ذاتية .. إنها رحلة الإنسان في ( جوهر ذاته ) .. و هو ما تؤكّد عليه كلواريك.‏

و ليس التنقل المكاني إلا وسيلة للتنقيب المتأني .. المتأمل في ( الأنا ) .‏

في ( الخان ) تفرّغ الروائية ما حملته ذاكرتها .. و قبلها إحساسها .. عن دمشق .. تتغزل بهذه المدينة .. تنثر حبها .. إعجابها .. دهشتها .‏

بفيض من سحر و انجذاب .. لا تخفي حبها و انحيازها إلى الشرق الذي يتبدّى أمامها من خلال سورية بمدينتيها ( دمشق و حلب ) .‏

دمشق كما يراها ( مكان للعبور من الموت إلى الحياة .. من الجنون إلى السكينة ) .. و هنا تتمظهر ثنائية ( الأنا و الآخر ) لتأخذ هيئة ( شرق و غرب ) .. و هو ما تحاول كلواريك التعبير عنه عبر توصيفها لحالة التبادل الذي كان بين الطرفين منذ عام 1822م .‏

على هذا النحو يبدو المنفذ الذي تجيد الكاتبة استغلاله لترشق القارئ بسيل من المعلومات التاريخية .. مثل ذكر ( توقيع أول معاهدة عام 1536م بين فرانسوا الأول و سليمان العظيم .. و هي تسمح للدبلوماسيين الفرنسيين بالدرجة الأولى ، بإقامة دائمة على أراضي الإمبراطورية العثمانية ..‏

و بقرار من الباب العالي ، و لأسباب تتعلق بضبط الأمن و التفتيش، توجب على الأوروبيين أن يعيشوا في خانات..)..‏

و بالتالي نلمح تلك الرمزية التي قصدتها الروائية من تسمية كتابها ( الخان) .. فهو المكان الذي سكنه الفرنسيون .. إلا أن مكانه الشرق .. إذا هو نقطة الوصل بين الجانبين .‏

من الرواية ..‏

( أينما كنت يا حبيبتي و مهما كانت الحياة التي تعيشينها ، يجب أن أحدثك عن الطريق الذي مشيته . ليس الطريق بمعناه الحقيقي ، و إنما الطريق الآخر الذي يمر في أعماق فكري و نفسي .‏

لم أتخلَ عنك يوماً ، لم يخرج من صدري نفس أو يدخل إليه ، دون أن يكون حضورك جلياً في حياتي . عبرت آلاف الكيلومترات ، عشت سنوات من الألم ، كي أجتاز فقط مسافة داخلية متناهية في الصغر ، حققت تقدماً بسيطاً ، لكنني اليوم ، و لأول مرة ، قبلت الاستمرار في حب امرأة أكرهها أيضاً ...‏

و ها أنا ذا لا أملك الوسائل للمقاومة . سأتوقف إذاً عن الرغبة بنسيانك ، و الرغبة بقتلك . سأتأقلم مع وجودك في ذاتي ، إنما دون أن تكوني معي ...‏

هذا المساء أستطيع أن أقول لك : أحبك .. لأنني لم أعد أتوقع شيئاً منك ، و لا أتوقع شيئاً مني . قبلت في النهاية أن يبقى هذا الحب المجنون في قلبي .. توقفت عن طرده .. أفسحت له مكاناً . ببساطة أظن أن كلاً منا أحب الآخر ، بعنف شديد إلى حد لم يمكنه من أن يستمر .. و لا من أن ينتهي .. ) .‏

‏

الكتاب : الخان . - المؤلفة :فرانسواز كلواريك . - ترجمة : غادة الأشقر . - الناشر : الهيئة العامة السورية للكتاب 2011 م .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية