ومن البدائل التي لجأ إليها الحروب الداخلية الخاطفة التي عادة ما تبدأ عن طريق تسريب مرتزقة إلى البلد المراد إشعاله حيث يقوم هؤلاء بتأليب الطرفين المراد احرابهما.
«الشركات الأمنية الخاصة- المرتزقة الجدد من النشوء إلى غزو افغانستان والعراق» كتاب جديد ومهمة لمؤلفه زبير سلطان قدوري صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق يناقش هذا الملف ويفضح دور المرتزقة.
تاريخ المرتزقة:
عن تاريخ المرتزقة وانتشارها يقول المؤلف: تعد مهنة الارتزاق ثاني أقدم مهنة في العالم بعد البغاء، وتم استخدام المرتزقة من قبل الأطراف المتحاربة في العصور القديمة والوسطى والحديثة.
ففي العصور القديمة تشير المصادر التاريخية إلى أن الفراعنة جندوا في العديد من حروبهم مرتزقة منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد وتحدثت أن الفرعون رمسيس الثاني جند ما يقارب الأحد عشر ألفاً من المرتزقة في معاركه الخارجية وخاضوا معه معركة قادش في سورية ضد جيش ملك الحثيين سنة 1288 ق.م.
كما تشير بعض المصادر التاريخية أن الفراعنة جندوا مرتزقة من ليبيا ومن بلاد كنعان كما جلبوا مرتزقة من جزيرة سردينيا.
وتذكر المصادر التاريخية أن المرتزقة ظهروا في الدولة الفارسية القديمة.
وفي العصور الوسطى استخدم البيزنطيون المرتزقة كقوات حراسة خاصة وأغلب هؤلاء من قبائل الفايكنغ ومن المحاربين الأشداء كانت مهمتهم حماية وحراسة الامبراطور والامبراطورة.
وانتشرت ظاهرة الارتزاق بعد انتهاء القرون الوسطى فظهرت جيوش من مرتزقة تحت الطلب ومعظم مرتزقة تلك الجيوش من المسرحين من جيوش نظامية لبلدان أوروبية.
وفي العصور الحديثة الأوروبية ومع اشتداد الحروب بين الدول الأوروبية التي أعقبت الثورة الفرنسية عادت جيوش المرتزقة في أوروبا إلى الظهور على المسرح العسكري والسياسي واضعة نفسها في خدمة القوى المتصارعة.
فظهرت المرتزقة كحاجة للدول الأوروبية الاستعمارية من أجل خوض الحروب التي نشبت فيما بينها بسبب التنافس على مناطق الاستعمار، وكذلك لاستخدامهم في استعمار بلدان العالم الثالث.
جنسيات مختلفة:
وينتقل المؤلف للحديث عن عولمة مرتزقة الشركات مبيناً أن المرتزقة الذين يعملون في الشركات الأمنية الخاصة ليسوا من جنسية واحدة فمثلاً أشارت العديد من المصادر إلى جنسيات المرتزقة الذين قاتلوا في العراق في السنة الأولى من الاحتلال فقالت إنهم كانوا من الأميركيين التابعين لشركات الحماية الأمنية الأميركية ومن النيبال وتشيلي وكولومبيا والسلفادور وهندوراس وإيرلندا وإسبانيا وبولندا والبرازيل والكيان الصهيوني.
وقد تجري عملية خداع من قبل إدارة الشركات في العقد الذي يبرم مع المرتزق فيتم التعاقد معه على عمل ما وبعد أن ينقل إلى المكان المتفق عليه يجد نفسه قد كلف بأعمال أخرى.
لو عرضت عليه قبل تجنيده لرفضها نظراً لخطورتها..
وتختلف رواتب المرتزقة ما بين جنسية وأخرى بمعنى آخر استغلت الشركات الأمنية الخاصة في تجنيد المرتزقة الأوضاع المادية المتردية والحروب الأهلية وفقدان الأمن فجندت كثيراً من أبناء تلك المجتمعات وخاصة ممن خدموا منهم في الفرق الخاصة في جيوش بلادهم كمرتزقة لديها وكلفتهم بمهام قتالية في المناطق الساخنة في العالم كالعراق وأفغانستان كما أدخلت شركة بلاك ووتر الأمنية الخاصة الأميركية إلى العراق.
الخصخصة وفن الحروب:
وحول خصخصة الحروب يشير المؤلف إلى أن الخصخصة للحروب بدأت منذ منتصف عام 1992 في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب عندما أبرم (ديك تشيني) وزير الدفاع في حكومته عقداً بمبلغ قدره خمسة ملايين دولار مع شركة أمنية خاصة هي سيرفس روت براون.
وتعني خصخصة الحروب تشكيل فرق عسكرية من المرتزقة المسلحين بمختلف الأسلحة والمعدات الحربية وتقنيات الحرب والتكنولوجيا مرتزقة يجلبون من مختلف الجنسيات والقوميات من أجل تنفيذ مهام قتالية أو استخباراتية، كما أن الخصخصة تساعد على إبقاء انتشار القوات الأميركية خارج الولايات المتحدة في قواعد ثابتة في أوروبا وآسيا وأماكن أخرى في أنحاء العالم، وتعطي مشروع السيطرة على العالم الذي وضعه المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية القدرة على النجاح والتنفيذ، كما أن الخصخصة تسد حاجة القوات الأميركية الماسة إلى عشرات أو مئات الآلاف من المتطوعين من المرتزقة التي لا يستطيع السوق الأميركي البشري أن يلبي سد هذه الحاجة لتنفيذ مشاريعها.
وفي العراق بدأت خصخصة الحرب منذ اليوم الأول للاحتلال حيث أبرمت قيادة الاحتلال عقوداً بلغت 100 مليون دولار عام 2004 لحماية المنطقة الخضراء، كما أن الحكومة البريطانية كلفت إحدى الشركات الأمنية الخاصة لحماية سفارتها في بغداد مقابل 15 مليون جنيه استرليني ، وأظهرت المعلومات الصحفية الغربية أن القيادة العسكرية البريطانية تعتمد على المرتزقة في العراق حتى فاقت أعدادهم أعداد القوات النظامية البريطانية.
المرتزقة... والمستقبل:
في الفصل الثاني عشر يتحدث المؤلف عن المرتزقة وحروب المستقبل مؤكداً أن القوى الرأسمالية الكبرى لن تتوقف عن السعي للسيطرة على ثروات العالم وأسواقه ولن تتوقف عن صناعة الحروب التي تحتاجها شركات السلاح الكبرى لتحقيق مجموعة أهداف وأهمها هدفان، الأول إبرام عقود السلاح وزيادة تراكم المال الربحي من تلك العقود، والثاني توفير العمل لملايين العاملين في تلك المصانع، علما أن البيانات الدولية تشير إلى أن من يعمل في مصانع السلاح بالولايات المتحدة وحدها ما يزيد على خمسين مليوناً، إضافة إلى دول كبرى التي تمتلك مصانع الأسلحة ويعمل فيها الملايين، فهذه الصناعات بحاجة إلى سوق مستمرة لتستمر صناعة السلاح، وهذا يتطلب استمرارية خلق بؤر توتر متنقلة في العالم وتفجير الحروب خاصة في بلدان العالم الثالث بين اعتداء خارجي وحروب أهلية متنوعة بين طائفية وقبلية وحزبية وعرقية وقومية.
إن الحروب كانت بدايتها في مطلع التاريخ الإنساني من أجل سيطرة على السلطة والأرض والثروة ومازالت كما بدأت وستبقى إلى نهاية الكون ومن خلال تلك الحروب يتم إدخال شركات المرتزقة إلى البلد المطلوب ومن خلالها تتمكن القوى الرأسمالية الكبرى من التدخل في هذه الحروب من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها فتغير ما تشاء من النظم السياسية أوتهيمن على ثروة البلد أو تقيم فيه قواعد عسكرية دائمة وهكذا تتحقق مصالح القوى الكبرى عبر الحروب والمرتزقة ، ويمكن استخدام الشركات الأمنية الخاصة في عمليات تخريبية سرية داخلية في العديد من البلدان ذات التوجه الوطني أو حتى في داخل الدول المتقدمة، التي تتصادم مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة وغيرها من القوى الامبريالية .
الكتاب: الشركات الأمنية الخاصة- المرتزقة الجدد من النشوء إلى غزو أفغانستان والعراق. - المؤلف: زبير سلطان قدوري - الناشر: اتحاد الكتاب العرب - دمشق