بمعنى أنها قابلة للانتقال من الحيوان إلى الإنسان ، عبر وسائل وطرق مختلفة تبدأ من التماس المباشر بين المربي وحيواناته ، وتنتهي باستهلاك منتجات حيوانات مصابة بالمرض ... ويلعب الطب البيطري دور الدرع الواقي للبشر في هذا المجال...... فإذا كان الطبيب البشري يعالج البشرية فالطبيب البيطري يحافظ على البشرية ( عالم الطب البيطري بافلوف)
الطب البيطري فرع من فروع الطب ، يهتم بتشخيص الأمراض التي تصيب الحيوانات ومعالجتها والوقاية منها ، والقبول في كليات الطب البيطري في الدول المتقدمة يتطلب قدرة تنافسية عالية واجتياز اختبارات علمية معقدة ، وتتراوح مدة الدراسة الجامعية للطب البيطري في الدول المتقدمة بين 7-8 سنوات / فرنسا- الولايات المتحدة / فبعد دراسة سنتين تحضيريتين يتلقى خلالها الطالب علومًا أساسية، مثل الكيمياء العضوية وعلم الحيوان وعلم النبات والفيزياء والرياضيات على المترشح أن يجتاز امتحاناً للالتحاق بإحدى الكليات البيطرية وغالبا ما يقبل طالب من كل ثلاثة مترشحين لينتقل إلى دراسة العلوم قبل السريرية كالتشريح وعلم الأنسجة ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية ثم يتابع دراسة العلوم الممهدة للدراسات السريرية كالأمراض وعلوم التغذية وتربية الحيوان والأحياء الدقيقة لينتهي في السنوات الأخيرة بتعلم المواد السريرية والجراحة والطب الباطني والطب الوقائي وعلم الدواء وغيرها مع التدريب العملي والحقلي العميق ..بحيث يصبح مؤهلاً لممارسة مهنة الطب البيطري وكثيراً ما يتخصص الأطباء بعد تخرجهم في مجالات الطب الباطني أو التصوير الشعاعي أو الجراحة وغيرها من التخصصات الطبية .
التعليم البيطري :
إن التعليم البيطري بمفهومه الحديث نشأ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في أوروبا. فبين عامي 1710 و1741م ماتت نصف الأبقار في أوروبا بسبب الطاعون البقري. وقد استمر المرض لمدة أربعين عامًا تالية في الظهور بشكل متكرر. وفي أعقاب أحد الأوبئة الكاسحة للطاعون في البقر بفرنسا، اجتمع ساستها ومزارعوها وأصدروا قرارًا بإنشاء أول كلية للطب البيطري في مدينة ليون بفرنسا لمكافحة الطاعون البقري. وقد تأسست تلك الكلية عام 1760م ، وأسهم خريجو الكلية إسهامًا كبيرًا في تطوير العلوم الطبية والبيطرية وخاصة الطب الوقائي ومكافحة الأمراض المعدية. وقد نجحوا في القضاء على الطاعون ليس في فرنسا فقط وإنما في أرجاء أوروبا. وظلت أوروبا خالية من ذلك المرض منذ مطلع القرن الماضي إلى يومنا هذا .
وفي سورية اهتمت الدولة بهذا المجال حيث بدأت فكرة إنشاء كلية للطب البيطري عام 1961وبقيت في حيز الدراسة إلى أن أحدثت أول كلية للطب البيطري عام 1969 في محافظة حماه ليأتي بعدها إحداث كليتين في كل من جامعة الفرات وفي ادلب بالسنوات الأخيرة هذا فضلاً عن أربعة معاهد بيطرية متوسطة وثلاث ثانويات بيطرية وعدد من الشعب البيطرية التي تتبع وزارة التعليم العالي أو وزارة الزراعة وتساهم جميعها في إعداد الطلاب وتأهيلهم كفنيين وأطباء بيطريين مختصين في مختلف اختصاصات الطب البيطري وتزويدهم بمستوى عال من المعرفة وبما يواكب التقدم العلمي ، وتمنح بعض الكليات درجات علمية متقدمة كالماجستير والدكتوراه في العلوم الطبية البيطرية .
مهنة العرب بامتياز :
والطب البيطري من المهن القديمة والتي برع العرب بها قبل أن تعرفها الدول الغربية بردح طويل من الزمن ، حيث تضمنت شريعة حمو رابي /2100 ق. م / اجر الطبيب البيطري عند تقديمه العلاج لكل نوع من الحيوانات ومسؤولياته في المحافظة على حياة الحيوان والعقوبات التي تطبق بحقه إذا أساء استخدام مهنته بالممارسات الخاطئة ، كذلك ورد ذكر الطبيب البيطري في البرديات الطبية لقدماء المصريين /1900 ق.م/ كما أطلق العرب لقب البيطار على الشخص الذي يعمل في حدوات الخيل . وقد ذخر التراث العربي بالكتابات البيطرية وعلم انساب الخيول مثل كتاب الصناعتين لابن البيطار ومختصر البيطرة لابن الأحنف كما وصف إخوان الصفا أنواعا مختلفة من الحيوانات وطرق عيشها وسلوكها ووصفوا العظام والشرايين والأوردة وأجهزة الهضم والعضلات ومارسوا التشريح ووضعوا تصنيفاً منطقياً للحيوانات ويعتبر كمال الدين أبو البقاء الدميري أول عالم أحياء يضع موسوعة / حياة الحيوان الكبرى / رتب فيها الحيوانات على حروف الهجاء ووصف 600 نوع من الحيوانات . ولعل العرب أول من استخدم التلقيح الاصطناعي بالخيول .
ركن من أركان التنمية الاقتصادية والاجتماعية :
تكتسب مهنة الطب البيطري أهمية خاصة لدورها التنموي فالطبيب البيطري مسؤول عن سلامة الثروة الحيوانية التي تشكل أساس منظومة الإنسان الغذائية وبما يضمن زيادة أعداد الحيوانات والاستفادة من منتجاتها كمواد أولية تدخل في صناعات عديدة وتجاريا يساهم في توفير فوائض تصديرية من منتجات الثروة الحيوانية . وربما يصعب تصور مسلخ دون طبيب بيطري يقوم باختبار الذبائح وإتلاف غير الصالح منها لتغذية البشر ، أو ربما يكون من المتعذر السماح بدخول حيوانات حية أو منتجات حيوانية من خارج البلاد دون وجود طبيب بيطري يضمن سلامتها من الأمراض ، والأطباء البيطريون يعملون في مزارع تربية الحيوان على رعاية الحيوانات حتى تبقى في صحة جيدة ومنع الانتشار المفاجئ لأي مرض ، ومع تغير أنماط الإنتاج الحيواني وأنظمته، و تطوير طرائقه تداخلت عوامل التغذية والإجهاد والبيئة وإدارة الحيوان ـ فضلا عن العوامل الوراثية ـ مع عوامل الصحة والمرض، مما وضع عبئًا متزايدًا على مهمة الطبيب البيطري، وتوجيه المزيد من الاهتمام إلى توفير الاحتياجات الصحية المناسبة لمشروعات الإنتاج الحيواني الحديثة. وبهدف اقتصادي بحت، أصبح الطلب متزايدا على البياطرة لعلاج حيوانات المزرعة ودور البياطرة محوري بالنسبة للصحة البشرية حيث يقومون بمتابعة وتطبيق سلامة استخدام الأدوية والعقاقير البيطرية في علاج الحيوانات وبما يضمن وصول المنتج الحيواني إلى المستهلك خالياً من الأثر المتبقي للأدوية واللقاحات ومع انتشار مصانع الأدوية واللقاحات البيطرية وشركات استيرادها بدأ الأطباء البيطريون يأخذون دوراً متزايداً في هذا المجال سواء من حيث عملهم في هذه المصانع والشركات او من خلال تسويقهم وتوزيعهم لإنتاجها .او من خلال رقابتهم على مستوى وجودة الصناعات الدوائية البيطرية .
واهتمام حكومي :
مهنة الطب البيطري في سورية بقيت لعقود طويلة تتخبط ، ونتج عن ذلك فوضى عارمة وخلل كبير في عدد من المجالات كصحة الثروة الحيوانية ( أبقار ومجترات صغيرة ودواجن وأسماك ) وصحة المواد الغذائية الحيوانية المنشأ ( لحوم وألبان وأجبان وبيض وغيرها ) وثمالات الأدوية البيطرية وسلامة اللقاحات الحيوانية وغير ذلك من المجالات التي أثرت على صحة المواطن والبيئة والحيوان ومن هنا صدر القانون /42/ لعام 2002 القاضي بتشكيل نقابة الأطباء البيطريين بهدف تنظيم المهنة ورفع نسبة مساهمة الطبيب البيطري بمعارفه وخبراته في ضمان سلامة صحة غذاء الإنسان وسلامة بيئته
وتعمل النقابة منذ إحداثها على المساهمة في تفعيل مراكز الحجر البيطري الحدودي وعمل الوحدات البيطرية المتنقلة والسعي لإحداث هيئة عامة لحماية الثروة الحيوانية والسلامة العامة وحماية المستهلك في حال حدوث أي جائحة مرضية أو كارثة طبيعية وكذلك السعي لإحداث معهد عال متخصص في بحوث الصحة الحيوانية ومراقبة الأسواق الحيوانية ووضع خطط الطوارئ وإنشاء نظام إنذار مبكر وتنظيم العلاقة مع الأطباء البيطريين والمساعدين البيطريين والاستمرار في تطوير صناعة الدواء واللقاحات البيطرية كما ساهمت النقابة بوضع قرار تنظيم مسالخ الدواجن وتصنيع أرجل الدواجن والحيوانات والإشراف الطبي البيطري عليها وتنظيم تراخيص حدائق الحيوانات وعيادات بيع الحيوانات الصغيرة والإشراف عليها
ومن جانب آخر عملت النقابة على منح القروض للأطباء البيطريين لتأمين فرص عمل لهؤلاء عن طريق فتح عيادات أو اقتناء حيوانات لتربيتها وتم تأمين أجهزة حواسب لتطوير العمل في مجال الصحة الحيوانية وعمل الأطباء البيطريين وتم تجهيز معظم العيادات البيطرية من قبل النقابة وبيعها للأطباء بالتقسيط خاصة أجهزة الأيكو .
وشكوى مربي الثروة الحيوانية :
إن التفاعل بين الأطباء البيطريين والمربين العاملين في الحقل يولد الكثير من النتائج منها ما هو ايجابي ومنها ما هو عكس ذلك ، فالبقرة أو النعجة بالنسبة للمربي هي رأس المال الذي يوفر الدخل ، وهي الاستثمار المعول عليه في تأمين مورد العيش ومن هنا يولي رعايتها وصحتها أهمية بالغة وتصادفك الكثير من القصص الواقعية التي يبادر فيها المربي إلى تقديم معالجة بقرته على معالجة أحد أفراد أسرته ، وكم تبدو البهجة والفرحة كبيرتين عليه عندما يتمكن الطبيب البيطري من إنقاذ بقرته تلك من براثن النفوق المحتم أو من تجنيبها فقدان قدرتها على الإنتاج كلياً أو جزئياً ..ومن جانب آخر يشكو بعض المربين من تحول اهتمام الطبيب البيطري من معالجة الحيوانات إلى بيع الأدوية البيطرية بحيث أصبح الهم الأول لبعض الأطباء البيطريين بيع أكبر كمية من الأدوية للمربي نظراً لحصولهم على نسبة من عائد ربح بيع تلك الأدوية إضافة إلى الشكوى من ضعف الخبرة العملية لبعض الأطباء وخاصة حديثي التخرج منهم أو عدم تخصصهم في نشاط محدد وكذلك هناك شكوى من انخفاض فاعلية الكثير من الأدوية البيطرية المصنعة محلياً ناهيك عن تواجد أدوية ولقاحات بيطرية يوصي بها بعض الأطباء وهي مهربة من خارج القطر ولا يعرف مدى فاعليتها أو فترة صلاحيتها ، كذلك هناك ضعف في انتشار المستوصفات والعيادات البيطرية المجهزة بالوسائل والإمكانات التي تساعد الطبيب البيطري في تشخيص الحالات المرضية وخاصة في مناطق انتشار الثروة الحيوانية حيث تقتصر العيادات على نشاط بيع الأدوية .
إن الأهمية التي تكتسبها مهنة الطب البيطري تتطلب من النقابة المعنية العمل على امتلاك مشاريع استثمارية خاصة بها تساهم في تصنيع الأدوية البيطرية أو إقامة المشافي البيطرية والمستوصفات والمخابر أو امتلاك منشآت لتربية الحيوان وبما يساهم في خدمة الثروة الحيوانية وتوليد دخل للنقابة يساعدها على تأمين نفقاتها الجارية ورواتب أعضائها وتطوير عملها .