لا بل يمكن القول إن أقدم ورقة صينية وصلت إلينا من القرن السابع كانت فنياً «أجمل» من أول ورقة نقدية أوروبية، التي أصدرها بنك استوكهولم عام 1666م. إذ حوت الأولى إضافة إلى النص المعبِّر عن القيمة رسماً حفرياً لأناس في السوق، في حين أن الثانية لم تحمل غير نص من خمسة أسطر ونصف السطر وتحته ثمانية تواقيع تؤكد أصليتها.
ولأن الأوراق النقدية ظلت حتى أواخر القرن الثامن عشر أقرب إلى «تعهدات بالدفع» يصدرها، إضافة إلى المصارف، كبار التجار والصاغة ويعطونها لمن أودع عندهم ما يساوي قيمتها الاسمية من النقود الذهبية أو الفضية، فإن كميات المتداول منها كانت محدودة، وصناعتها لم تكن بحاجة إلى تعقيدات كثيرة على مستوى التصميم، خاصة وأنه يسهل التأكد من أصليتها من خلال التواقيع أو الأرقام التي تحملها.
في بداية القرن التاسع عشر، كان استخدام الأوراق النقدية بدلاً من النقد المعدني قد أثبت جدواه وفاعليته الاقتصادية في أنحاء كثيرة من العالم، وخاصة العالم الصناعي. فشاع استعمالها أينما كان، وتعددت الجهات التي تصدرها. ولكن في الوقت نفسه، كانت الطباعة تتطور وتنتشر في كل مكان. ففي العام 1836م مثلاً، كان في الولايات المتحدة 1600 جهة تُصدر أوراقاً نقدية من فئات مختلفة للدولار الأمريكي الواحد. وبلغ عدد أشكال الأوراق النقدية المختلفة على صعيد اللون أو التصميم للدولار الورقي في ذلك العام نحو 30 ألف شكل مختلف!
ولدواعٍ أمنية – اقتصادية مفهومة، بدأت دول العالم تحصر حق إصدار الأوراق النقدية بجهات رسمية محددة (غالباً المصارف المركزية). ولكن هذا لم يحل سوى نصف المشكلة. إذ إن رواج الطباعة وتكاثر المطابع في العالم جعل من تزوير الأوراق النقدية هاجساً رئيساً يمكنه أن يهدِّد اقتصادات الدول. ففي العام 1865م مثلاً، كان ثلث الأوراق النقدية المتداولة في أمريكا مزيفاً! فكان لا بد من تطوير صناعة النقد الورقي بشكل يضعها في موقع متقدِّم على قدرات المزوِّرين. والمرحلة الأولى من هذه الصناعة هي في وضع التصميم الفني (محور اهتماماتنا)، وفق شروط ومواصفات تحدِّد منذ آنذاك، ولا تزال سارية بشكل أو بآخر حتى يومنا هذا.
قيود وشروط تكبِّل التصميم
من المرجَّح أن الشروط والقيود التي يخضع لها تصميم الأوراق النقدية هي الأقسى والأكثر تعقيداً من بين كل الفنون التطبيقية. ونذكر من أهمها:
أولاً: إن الموضوع الذي يجب رسمه على الورقة النقدية مختار ومفروض من قِبل الحكومة أو من يمثلها، وليس الفنان. وغالباً ما يتألف هذا الموضوع من عدة رموز وطنية (مثل الشخصيات أو المصادر الاقتصادية أو البيئة الطبيعية أو المعالم الجغرافية…)، يجب جمعها إلى بعضها في وحدة فنية متكاملة.
ثانياً: على الرسم أن يلتزم بأكبر قدر ممكن من الشبه مع الأصل، وتسهل قراءته فوراً من أبسط الناس.
ثالثاً: على الأوراق النقدية ذوات القيم الاسمية المختلفة، أن تختلف شكلاً عن بعضها حتى أكبر قدر ممكن، تلافياً لحصول أخطاء من قبل العامة خلال تداولها.
رابعاً: على الرسم أن يكون دقيقاً في تفاصيله بحيث يصعب استنساخه وتقليده. والواقع، أن هذا الشرط الذي وضعناه هنا في المرتبة الرابعة، ظل لأكثر من قرن من الزمن. وهو ما أبقى تصميم العملة الورقية بمذهبه الجمالي، بعيداً عن المذاهب الجمالية التي كانت تتجلى في تطور الفنون الحديثة مثل الرسم والعمارة والنحت وغير ذلك.