أو إلى أحد بلدان المشرق قديماً أو حتى إلى الهند. ولكن المؤكد أن أول آلة موسيقية قامت على سحب قوس من شَعر الخيل (أو ماشابه) على وتر, كانت آلة الربابة العربية.
رافقت الربابة الرعاة في البراري والوجهاء في احتفالاتهم والشعراء خلال إلقاء قصائدهم. وإذا ضاعت في غياهب التاريخ الوقائع التي تؤرخ أول ظهور لهذه الآلة, فقد وصلتنا أخبار كثيرة عن حضورها في قلب الفن الموسيقي والمسموع بشكل عام. فكانت رفيقة الغناء والشعر, وكل أشكال الحفلات الاجتماعية مثل الأعياد الشعبية والأعراس, وحتى النواح على المفقودين أو المتوفين.
وهناك ما يشبه الإجماع عند المؤرخين على أن الكمان آلة شرقية المنشأ. ظهرت أولاً في سورية وبلاد ما بين النهرين, وانتشرت لاحقاً عبر مدينة الحيرة إلى الحجاز, ووصلت من العراق إلى بلاد فارس مع فتوحات ملكة أشور سميراميس التي احتلت القوقاز وصولاً إلى تركيا وإيران في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد. ولم تصل إلى أوروبا إلا عبر الأندلس خلال القرن الثامن الميلادي, بعد الفتوحات العربية.
وتعود أولى الوثائق حول وجود الكمان إلى غرناطة في الأندلس. ومن هناك, أدهشت هذه الآلة الأوروبيين بصوتها الشجي. فاتسعت دائرة حضورها وانتشارها. إذ سارع الأوروبيون إلى تلقف هذه الآلة التي وصلت إليهم مع الفتوحات العربية, وراحوا يعملون على تطويرها خطوة خطوة.
كانت في بادئ الأمر ذات وتر واحد, ثم اثنين, ثم ثلاثة, وأخيراً أربعة. وبعدما كان العازف يسند هذه الآلة إلى قدمه ثم إلى ركبته, انتقل مركز إسنادها إلى الصدر فوق الكتف اليسرى. وهكذا أصبحت الربابة كماناً.
الفيولا ابنة الربابة وأم الكمان
أول آلة اشتقت من الربابة الشرقية هي آلة الكمان الصدّاح (viola), وقد عرفت أوروبا أربعة أنواع منها هي: فيولا الحب التي راجت خلال القرون الوسطى في الأوساط الشعبية, و الفيولا الاحتفالية الكبيرة الحجم التي صنعت أول مرة عام 1724م بناءً على طلب الموسيقار الشهير يوهان سيباستيان باخ, و فيولا الركبة التي كان العازف يسندها إلى ركبته اليسرى. و فيولا غامبا التي كانت تحمل حتى سبعة أوتار ومن أشهر الذين عزفوا عليها الموسيقار يوزف هايدن.
ومنذ عصر النهضة حتى القرن التاسع عشر, شهدت كل الفنون في أوروبا تطوراً متسارعاً. وكان الذوّاقة يزدادون تطلباً في شتى الحقول. فنشأ الغناء الأوبرالي المحترف, وتحوَّل الفن عموماً بما فيه الموسيقا إلى اهتمام رئيسي عند الملوك والحكام والأمراء وأبناء القصور والنبلاء. فكان على الفنانين أن يتميَّزوا بما يلائم الأذواق التي تزداد تنوعاً وتطوراً.
لقيـــت الربــــــابــــة المحــــدثة (الفيـــولا) رواجاً كبيراً آنذاك. ونتيجة لإعجاب الكثيرين بخامتها الصوتية القريبة من خامة الصوت البشري, كثر المؤلفون الموسيقيون الذين كتبوا معزوفات خاصة لهذه الآلة. ولكي تستجيب هذه الآلة لتعدد ميول المؤلفين وتلون معزوفاتهم, راحت تخضع للتغيير المتتالي. فعُدِّلت مقاساتها الخارجية باتجاه التصغير, وأضيفت إليها أوتار دقيقة وحادة الصوت. ولكي نختصر قصة التطور التي انتهت بالكمان, نكتفي بالقول إن دوزان الفيولا التي تعرفها اليوم هو من الغليظ إلى الحاد: دو-صول-ري-لا. ولما ظهرت الحاجة إلى إضافة وتر مي من الأعلى وكان يتعذر أن تحمل هذه الآلة الأوتار الخمسة المذكورة, أزيل الوتر الأغلظ فيها (دو), فأصبحت بأوتار أربعة هي من الغليظ إلى الحاد: صول-ري-لا-مي . وهذا الشكل الجديد الذي اتخذته الفيولا, هو الذي اتخذ اسم الكمان (violin).
أعلام صناعة الكمان..
وأسطورة ستراديفاري
ارتقى المهرة في صناعة الكمان إلى مستوى عباقرة الفن, وحفظ التاريخ أسماءهم في سجل الخالدين. ومن أبرز هؤلاء في إيطاليا أندريه أماتي (1535-1611), وابناه أنطونيو وهيرونيمو. وتميَّز هذا الأخير بآلته الممتازة الباهظة الثمن. ومن تلاميذ هيرونيمو آماتي خرج أنطونيو ستراديفاري الذي أصبح أهم صانع للكمان في العالم, وارتقت شهرته إلى مستوى الأسطورة. إذ يبلغ اليوم سعر آلة كمان من صنع ستراديفاري ما بين مليون ومليوني دولار أمريكي..
خصوصيات
حضن الكمان
يتميز الكمان عن غيره من الآلات الموسيقية بصعوبة احتضانه في يد العازف. واختصاراً للموضوع نشير إلى خمسٍ من هذه المصاعب:
1 وضع الكمان على الكتف اليسرى,
والعزف عليه باليد اليمنى.
2 العزف برفع اليدين عن وضعهما الحركي المألوف.
3 صغر الزند الذي تلعب عليه اليد اليسرى.
4 وضع اليد اليسرى المعاكس لحركتها الطبيعية.
5 إصدار الصوت بجر القوس على الوتر.
وهذه المصاعب غير موجودة في التعاطي مع أي آلة موسيقية أخرى. لذلك فإن تعلم العزف على الكمان يستغرق زمناً أطول بكثير من تعلم العزف على أية آلة أخرى.