وها هو يوسف زيدان يذكر في روايته ظل الأفعى: (الإنسان سؤال لا إجابة وكل وجود إنساني احتشدت فيه الإجابات فهو وجود ميت، وما الأسئلة إلا روح الوجود وبالسؤال بدأت المعرفة، وبه عرف الإنسان هويته، السؤال جناح يحلّق إلى الأفق الأعلى، السؤال جرأة على الحاضر).
وكل عمل أدبي لا يثير في النفس أسئلة جديدة يفقد الكثير من قيمته الأدبية، وإحدى كوامن الجمال في أي عمل ادبي الأسئلة الجديدة التي يتركها في نفس القارئ.
وكل عمل أدبي يتعامل مع القارئ من موقع الملقّن هو عمل فاشل إبداعياً. قال مرة الحسن البصري: (الصدق أمانة، والكذب خيانة، الإنصاف راحة، والإلحاح وقاحة، التواني إضاعة، والصحة بضاعة، الحزم كياسة والأدب سياسة) كلام قيل منذ مئات السنين يترك في الروح أسئلة وأسئلة، ومن هنا تكون الإبداعات الحقيقية خالدة، لا عمر لها وهنا يتقاطع من عمّر الأهرامات مع المتنبي الذي قال:
أنا من نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
كتب مرة سامي الجندي في روايته سليمان: (تدخل الفكرة إلى ذاتك من مسام جلدك تحبو قليلاً، حتى تغدو قبضة تشدّ على خناقك، ولا تترك لك غير درب تسقط في نهايته قاتلاً أو قتيلاً).
بهذه الجملة فقط يخلق أسئلة جديدة عند قارئه، أسئلة تبحث عن هذه الفكرة التي تتغلغل في الداخل، ما هي هذه الأفكار، عند من تكون؟
وتفيض الأسئلة من نسيج تلك الأعمال، الأسئلة التي تبني العقل، وتحرك الركود العام والكسل الذي تفرضه لحظات تغدو به الحياة بلا أفق قادم.
في التعليم على مختلف المستويات ما قيمة حفظ منهاج بشكل كامل، و في الامتحان يقوم الطلاب بترديد الإجابات المحفوظة، ماذا يترك هذا المنهاج في نفس المتعلم؟ أعتقد أنه لا يترك سوى الملل والنعاس.
في السينما ترى المشاهد مشدود الأعصاب، ومهما كان الفيلم مشوقاً قوي البنيان السردي، فالأسئلة التي تبقى بعد خروجنا من الصالة هي التي تجعلنا نتذكره ونطلب من أصدقائنا مشاهدته.
الحياة نفسها، العلاقات الاجتماعية، حتى الصداقات بلا أسئلة جديدة تصبح كومة بالية من الوقت المكرر والكلام المكرر.
في قصة بعنوان (نحن معشر الإنسان) يأخذنا العبقري عزيز نيسين نحو أسئلة إنسانية قلّما نصادفها، إنها أسئلة تخص ما بداخلنا نحن البشر، هل تطورنا نحن لنكون بشراً وبملامح إنسانية تامة؟ أم أن الوحش الكامن في داخلنا مازال يسيطر على حياتنا؟ ويختم القصة بسؤال جديدة يخصّ قدرتنا على أن نشاهد ذواتنا.
(قال الطبيب: من الآن فصاعداً ابحثوا عما تريدون البحث عنه في أنفسكم أولاً).
وقبل عزيز نيسين كتب الشاعر عمر الخيام عن الدهر:
لا يورث الدهر إلا الهمّ والكمدا
واليوم إن يعط شيئاً يستلبه غدا
من لم يجيئوا لهذا الدهر لو علموا
ماذا نكابد منه ما أتوا أبدا
وكم هي الأسئلة الوجودية التي قالها الخيام في رباعياته، أسئلة تخصّ هذا الزمن الراكض والهارب منّا.
في عالم الصحافة كم تكون المواد الصحفية مثيرة حين تترك عند قارئها أسئلة تخص الموضوع الذي ناقشته! وكم تبدو تلك المواد باهتة حين نعرف أنها لم تتضمن شيئاً جديداً، لم تتضمن أسئلة تبقى محركة للقادم.
فلنبحث عن أسئلة من عيار: لماذا حالنا صار هكذا؟ وليس بالضرورة أن تجدوا أجوبة سريعة.