تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نجوى أحمد في مرحلتها التراثية....موزاييك لوني في مشاهد المرأة والريف

ثقافة
الثلاثاء 26-5-2015
أديب مخزوم

تستعيد الفنانة التشكيلية نجوى أحمد، في تنويعات لوحاتها السابقة والجديدة، بعض أحلام طفولتها الضائعة والمنسية، المقروءة في مواضيع الريف والقرية والمرأة والأمومة وغيرها.

وهي تجسد فيها، أجواء وألوان وأضواء الطبيعة المحيطة ببلدتها القدموس، انطلاقاً من تأملاتها المتواصلة لتبدلات الألوان والأضواء، على المرتفعات والمنخفضات الجبلية، كما تركز في لوحاتها، لتحقيق خطوات التواصل مع طروحات الأصالة والحداثة، وذلك بإعادة تشكيل العناصر والمشاهد القروية، ولاسيما المرأة الريفية، بصياغة فنية قائمة على لمسات لونية متوازية ومتداخلة ومتقاطعة ومسطحة وصافية، وبذلك فهي تتجاوز تقليدية الأداء التصويري الواقعي، وتؤكد مسألة انفتاحها على ثقافة فنون العصر، حيث تقوم عوامل الجذب الإيقاعي البصري في مظاهرها اللونية، باستعادة المشاهد المحلية، على الطريقة الشرقية الفسيفسائية، بطريقة التشكيل باستخدام الريشة والألوان وبتقنيات مختلفة.‏‏

تجزيىء المشاهد الريفية‏‏

هكذا انطلقت نجوى أحمد (القدموس 1969) من فكرة تجزيىء المشاهد الريفية وعناصر المرأة والزهور والطبيعة، من منطلق هندسي له عراقته في التراث العربي، وإعادة بناء المشهد بإضفاء الإيقاعات المتتابعة، والقائمة على اللمسات المسطحة والطويلة في أحيان كثيرة، والمستمدة في جوهرها من الجمالية الشرقية القديمة والحديثة في آن واحد.‏‏

وهذا يعني أنها في ممارستها الفنية، تعمل على إعادة المنطلق التشكيلي إلى الجوهر التراثي، كما تركز لإظهار الإشراق اللوني القادم من مظاهر التقنية النظيفة، وهذا يتوافق مع لمعان المظهر الفسيفسائي، الذي تستعيد مظاهره ومناخاته بطريقة غير مباشرة، أي باستخدام الهندسة اللونية بطريقة حديثة، تقترب من الإحساس الزخرفي، حيث تعتمد على إيجاد حوارية بصرية متتابعة ومتجاورة (المظهر الفسيفسائي، هنا قادم من رؤية استطالات وإيقاعات لونية زاهية وخافتة، مشغولة بالاكريليك والزيت والغواش والمائي، بدلاً من ستخدام القطع الحجرية الملونة). ولوحاتها تتميز بتسطيح لمسات اللون وتبسيط الأشكال (موضوع المرأة تحديداً) وفي هذه اللوحات عرفتنا على صياغة تشكيلية، مستمدة من عوالم الفن الحديث، حين عمدت إلى استعادة مجد اللمسة الواعية والهادئة، منطلقة من اتجاهات فنية معاصرة، اتخذتها كإطار تشكيلي ثقافي، يجسد الحركة من خلال لمسات اللون بدفقه الصريح والمباشر.‏‏

هكذا يظهر الهاجس التلويني الصريح والمنظم، كعنصر رئيسي في مجمل لوحاتها، ولهذا فهي لا تعطي أهمية لتدرجات الظل والنور على الطريقة التقليدية، علاوة على أن موضوع المرأة، لا يأخذ لونه الطبيعي في لوحاتها، كذلك المواضيع المختلفة، وذلك لأنها تقدمها بصياغة مغايرة للرسم الواقعي التقليدي.‏‏

معالجات اختزالية‏‏

ولا نجد أيضاً اهتماماً في إبراز الأبعاد (تدرجات الظل والنور) داخل المشهد، بقدر الاهتمام بالذوق اللوني، من منظور علم الجمال الحديث، فاللمسات اللونية تكشف في جوهرها، عن هواجس البحث عن أسلوب، يعكس إيقاعات التفاعل والانفتاح على الطروحات الثقافية الفنية، ولهذا جاءت التجربة التشكيلية والتقنية في لوحاتها، معتمدة على أسلوب التبسيط الشكلي، فكانت الصياغة التشكيلية على الطريقة الفسيفسائية، أساساً في معالجة اللوحة، إلى جانب إعطاء أهمية أخرى، لحضور خط الرسم الواقعي، الذي يساهم في إغناء اللوحة وإظهار قيمتها الفنية والتشكيلية.‏‏

هذا يعني أن المعالجة الاختزالية تظهر في لوحاتها من دون كثافة لونية، وتبرز قيمة التشكيلات هنا في الحساسية المتمادية في الاختزال، الى الدرجة الدالة عليه بالصيغة التعبيرية، الأقرب إلى مشاعرها وأحاسيسها الداخلية.‏‏

وقد تتدرج الصياغة التعبيرية، في علاقتها بالمرجع الواقعي، حين تعمل على تفكيك المشهد، وتعيد صياغته من منظور فني وتشكيلي، يعطيها خصوصية، في طريقة تقديم أو استعادة المشهد الواقعي، فنشاهد العناصر الإنسانية ورموز الطبيعة والإشارات المختلفة، قد ابتعدت كل البعد عن الصياغة التسجيلية، في تقديم الجو الأقرب الى الواقعية الحديثة، والذهاب إلى إضفاء المزيد من الاختزال، والاعتماد على ألوان هادئة ومتقاربة وغير صاخبة، فهي في تجربتها تتجه إلى اختصارات شكلية وتشكيلات أقرب الى الواقعية، تحمل مقومات البحث، عن صياغة حديثة وخاصة.‏‏

تسطيح لوني‏‏

ولا يمكن الغوص في مسألة التأويل التنظيري، أثناء تحليل لوحاتها، دون الإشارة إلى ارتباطها بأجواء الرسم الحديث، لاسيما وأنها تستخدم الصفاء اللوني والشاعري، في خطوات الوصول إلى التأثيرات البصرية، وبالتالي النفاذ إلى أبجدية تشكيلية ناتجة عن اختبارات تقنية خاصة، تبحث عن إيقاعات تعبيرية ورمزية أحياناً.‏‏

ونرى في بعض لوحاتها ما يشبه التشكيلات الهندسية، بمعنى أنها حين تعمل على تقطيع اللوحة إلى مستطيلات ومربعات، تستغرق كثيراً في الدقة الرياضية، بقدر ما تذهب لإضفاء أجواء هندسية، تتحقق بلمسات مبنية عل حساسية عاطفية، تتجاوز السياق البصري الساكن المقروء في الهندسة التقليدية الصارمة.‏‏

وهكذا تقوم بتشكيل لوحاتها بدقة متوازية، وبمظهر إيحائي فسيفسائي، بعيد عن المألوف والمطروح والمتبع في معارض الفنانين، وذلك باعتماد اللمسات المسطحة والطويلة، بحركات أفقية ومتقاطعة ومتتابعة، في سياق تشكيل العناصر الإنسانية والريفية والطبيعية والحيوانية والصامتة. ويذكر أن نجوى أحمد، درست الفن في كلية الفنون الجميلة، وحازت على درجة الماجستير في الفنون - قسم التصوير الزيتي، بأطروحة حملت عنوان: أثر البيئة المحلية على فن التصوير السوري في القرن العشرين، ولقد أقامت أربعة معارض فردية وشاركت في ملتقيات ومعارض فنية جماعية رسمية وخاصة، من ضمنها ملتقى أهدن في لبنان عام 2004 وملتقى تدمر الدولي عام 2008، إضافة لعملها كمدرسة في كلية الهندسة المعمارية بجامعة تشرين.‏‏

facebook.com/adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية