ولظهور الكثير من الأبعاد التي كانت مستورة أو أسيرة أو في منطقة الجهل والتجاهل, إن هذا المستوى من التحديد يتأكد بصورة جلية في الصراع الدائر على سورية وفيها وسوف نعرض لاتجاهين هما منظومان من المعالم والدروس والعبر أنتجهما هذا الصراع فينا وفي الآخر وبموجب ذلك لم تتغير الوقائع فحسب ولكن التغير شمل الموقف من هذه الوقائع الصعبة وكيفية التعاطي معها ولسوف نعرض لبعد أساسي واحد في ظاهرة القوى المعادية للوطن السوري وهي في أوج هيجانها وقد استجمعت كل مالديها من طاقات وأسلحة وكيفيات في العمل على تدمير الوطن السوري.
إننا باختصار نؤطر هذا البعد المعادي في مناحٍ ثلاثة أولها هذا الاصطفاف المعادي الذي بدا كما لو أنه وليد اللحظة وأنه وافد وقائم ومستمر عبر عمر قصير المدة وذلك مناف لطبيعة الاشياء ولايوجد مايبرره أو يعضده في الواقع وفي التحليل وفي استخلاص القيم المبنية عليه , إن هذا الفعل الإرهابي الاستعماري هو ظاهرة ضاربة في العمق وممتدة بصورة مزمنة في كافة المسارب والمسارات منذ زمن طويل وفي المنطق لاتوجد ظاهرة على هذا المستوى تأتي من الفراغ أو تمر بصورة عابرة.
إن وجود هذه الظاهرة واستمرار أفعالهاوممارساتها يخبرنا بصورة قاطعة أن العدوان قادم من زمن بعيد له مقدماته الكبرى والصغرى وجاء بطريقة التسلل من عقد إلى آخر في أواخر هذا الزمن ثم نضجت كل الشروط والظروف للبدء بهذا المشروع الارهابي التكفيري في السنوات الأربعة الماضية , لقد تجمعت أصوله وتفاعلت قواه واستحدثت ظاهرة العدوان منهاجها ورسمت منطلقاتها وصاغت مراحلها بكثير من الاستغلال وبمعدلات كمية ونوعية في ممارسة القتل والتدمير في الوطن السوري إن القصة قديمة وظاهرة الإرهاب ووحدة الاستعمار والإرهاب كلها مسائل وأبعاد مرتبة ومنظمة من دون شك أما عن وعينا لهذا الموضوع في لحظاته ومراحله فهذا شيء آخر هو الذي نستكمله في أتون المعارك الطاحنة القائمة الآن.
أما المنحى الثاني المؤسس في البعد الإرهابي الصهيوني الرجعي فهو المتمثل لانجاز وحدة القوى المعادية على مابينها من تناقضات وافتراقات ومكونات وانجاز وحدة الأسلحة التي يتم استخدامها في هذا الصراع المصيري والتاريخي, إن القائمة المعادية تضم قوى وتجمعات تبدو من الظاهر غير قابلة للوحدة أو التكامل ولكن الواقع الموضوعي يؤكد غير ذلك تماماً لقد استطاعت هذه القوى الدولية الرسمية البعيدة والقريبة العربية والإسلامية والأجنبية أن تفتح مسارب وأنفاقاً تحت الأرض وتحت السماء لكي تستحضر وجودها ولكي تستحضر مع هذا الوجود كتلة مشاريعها وفعلها على أرض الواقع لقد ثبت أن الإرادات الاستعمارية قادرة على أن تعيد إنتاج ذاتها لمواسم زمنية وباستخدام كل الظروف التي يمر بها العالم وها نحن في الصيغة المنكرة نجد قوى كبرى مثل أميركا وفرنسا وأنظمة في الداخل العربي وأنظمة في الإقليم مثل تركيا وفي تصرف هذه القوى والدول تنظيمات إرهابية ومنظمات تكفيرية إسلاماوية وجميعها تشكل الكتلة الصماء التي لانتعرف فيها على بدايات ونهايات ولانعرف على وجه التحديد من الذي يستجر الآخر ويزجه في الصراع الدائر هل أميركا أو السعودية أو قطر أو تركيا هي التي ترعى وتصدر الأوامر للإرهاب أم أن قوى الإرهاب ومنظماته هي التي تهيمن على هذه الدول وتستثمر وجودها في العدوان الكوني مباشرة لاشيء محير إذا دخلنا إلى العمق فالاستعمار ظاهرة إرهابية في أصله والإرهاب منتج استعماري في وجوده ومشاريعه.
أما المنحى الثالث الذي يؤطر لهذه الظاهرة المقيتة والمفروضة فهو المتمثل باستخدام اتجاهات مضافة تبدو مستحدثة من الظاهر ولكنها في العمق مستقرة ومستمرة إلى أن وصلت إلى المرحلة الراهنة إن بعض هذه العوامل المضافة تتمثل في اختطاف الإسلام الحنيف وإطلاق مناطق اللهب فيه بكل مافي هذه النزعة الخبيثة من جواذب وإغراءات ولاسيما حينما يتم ذلك في عالم مادي وفي بناء أصم للقيم والفكر والروحانيات والجهل والجوع وتغييب التجربة المثالية للوعي الإسلامي الصحيح ذلك كله هيأ مناخاً مساعداً لمثل هذا التجمع الخادع وفي منحى آخر أعطي للمال وللإعلام وظيفة محددة أساسها تزوير الحقائق وقلب المفاهيم وشراء الضمائر والخطاب الموجه لبؤر الغريزة عند الإنسان في عالم اليوم هذه هي المناحي الثلاثة التي مهدت مع غيرها لاصطفاف قوى الشر بالمستوى الكمي وبالمعيار النوعي لهذا الاصطفاف الإرهابي.
لكن الصورة لاتجمد عند حدود الآخر القاتل فمازالت ذاتنا الوطنية السورية بكل أبعادها ومكوناتها تختزن الحياة والروح صحيح أن عوامل الإحياء كانت محاصرة ولاسيما بالمدى القومي لكن جذوة الحياة ومكونات الوجود الحي المستمر مازالت قائمة حتى إذا جاءت موجة الإرهاب انبعثت القيم وانتعشت الذاكرة وانتشرت مساحات كبرى لوظيفة الانتماء والعقل واحتمالات المصير ظهرت سورية بتدرج يتسق مع قوة الأحداث على حقيقتها وتكون المحور الوطن بطبيعته التاريخية وبسماته الحضارية فإذا هو قوة في مواجهة قوة وإذا أبعاد الحياة تتوالد من أبعاد قائمة وصبوات قادمة وهذا ما استوعبه ميدان الصراع وهو الذي يشكل اليوم معادلة الوعي من جهة والموت والحياة من جهة أخرى حتى بدت سورية وكأنها معادل الدنيا بكل مافي هذه الدنيا من شرور ومناطق خير وبقع سوداء وأخرى بيضاء.