تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حين يحكم القضاء الإسرائيلي بمقتل نشطاء السلام!!

شؤون سياسية
الأثنين 3-9-2012
عبد الحليم سعود

بعد تسع سنوات من المماطلة والتسويف الإسرائيلي في قضية مقتل ناشطة السلام الأميركية راشيل كوري عام 2003 قررت إسرائيل أن عملية دهس الناشطة الأميركية بجرافة عسكرية إسرائيلية حتى الموت هو مجرد «حادث مؤسف»،

وربما كان يتعين على إسرائيل ـ الوقحة جدا في التعامل حتى مع حلفائها ـ أن تقول بأن هذه الجريمة كانت مجرد «حادث سير عادي» لا يستدعي أي ضجة أو أي ردة فعل.‏

ففي فضيحة جديدة تعري هشاشة النظام الصهيوني وتكشف البنية المزيفة لمؤسساته وعلى رأسها القضاء رفضت المحكمة المركزية في مدينة حيفا دعوى قدمتها عائلة الناشطة كوري معتبرة ما جرى «حادثا مؤسفا»، وقررت المحكمة «العادلة جدا» أن إسرائيل ليست مسؤولة عن الأضرار التي لحقت بكوري بسبب تواجدها في منطقة تجري فيها أعمال حربية، وقد بلغت الوقاحة بالقاضي الذي رفض الدعوى حد اتهام كوري وزملائها بأنهم ساعدوا الفلسطينيين على العمل ضد الجيش الإسرائيلي ولم يكن ينقصه سوى الادعاء بأن الراحلة كوري كانت ترتدي حزاما ناسفا وتهدد إسرائيل بالدمار والموت..!!‏

طبعا هذا الحكم القضائي «العادل جدا» جاء بعد تحقيق «نزيه جدا» أكد أن سائق الجرافة التي دهست كوري لم يكن يراها رغم أنها كانت تقف هي وزملائها أمامه مباشرة وهي تحاول منعه بجسدها من هدم بيوت الفلسطينيين في مدينة رفح، وقال القاضي «النزيه جدا»: إن الجرافات الإسرائيلية كانت ملزمة بتسوية الأرض من أجل منع «نشاط إرهابي» محتمل ضد القوات الإسرائيلية.‏

في كل الأحوال لم يكن هناك من كان يتوقع أن تصدر إسرائيل حكما أقل وقاحة وعجرفة وظلما من هذا الحكم في مقتل ناشطة السلام الأميركية، لأن المؤسسات الإسرائيلية برمتها مبنية في الأساس على واقع الاحتلال بكل ما يتضمنه هذا الفعل الإرهابي ـ وفق القانون الدولي ـ من السيطرة على ممتلكات شعب آخر بالقوة واقتلاعه من أرضه وقتله وتهجيره وتشريده وتدنيس مقدساته..إلخ، ولذلك لم يكن هذا القضاء سوى صورة مشوهة تجسد واقع الاحتلال بكل قسوته وظلمه وتزييفه للوقائع والحقائق الدامغة.‏

فالعالم كله رأى بأم أعينه كما رأينا كيف دهست جرافة الاحتلال العسكرية هذه الناشطة السلمية وسحقتها حتى الموت، وهي لا تملك في الأساس سوى صوتها الحر لتعبر به عن الظلم الذي يقع على الفلسطينيين، وتنقل بعض ما يعانيه هذا الشعب المظلوم من ويلات الاحتلال وأساليبه القمعية الخارجة من رحم النازية والفاشية، والعالم كله أيضا ـ بما في ذلك الأميركيون أنفسهم ـ دهش بالطريقة البربرية التي قتلت بها هذه الناشطة وهي تدافع عن الفلسطينيين الذين ـ ويا للأسف ـ تهضم حقوقهم وتنتهك حرياتهم وأعراضهم وأرضهم ومقدساتهم بمساهمة ودعم وتمويل الحكومة التي تعتبر راشيل من رعاياها.‏

لاشك بأن مقتل راشيل كوري لم يكن «حدثا عاديا مؤسفا» كما حاول القضاء الإسرائيلي المزيف أن يسميه، بل كان أقرب للجريمة الموصوفة ذات الدلالات العميقة، فهو عملية قتل ممنهجة للسلام تبدأ بقتل كل من يدعون له أو يطالبون به ولا تتوقف عند قتل هؤلاء بل تتعداه لقتل الحلفاء حين لا تروقهم السلوكيات الصهيونية، وبناء على هذه العقلية الصهيونية المبنية على الإجرام والقتل يمكن أن نفهم لماذا أقدمت إسرائيل بدم بارد على قتل المتضامنين الأتراك ال11 على متن سفينة السلام «مرمره» التي كانت متوجهة في مهمة إنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، رغم أن «الحكومة التركية» هي حليف معلن لإسرائيل، إذن إسرائيل برهنت من خلال قتلها لراشيل كوري على أنها عدوة حقيقية للسلام، فهي لا يمكن أن تقبل بالسلام لأنه نقيضها، فهي قامت على القتل والنهب والاحتلال واستعباد الآخرين وليس في تفكيرها أو سلوكها ما يشير إلى أي شيء له علاقة بالسلام، والدليل هو رفضها «لمبادرة السلام العربية» رغم كل ما احتوته من تنازلات وجوائز على حساب الحقوق العربية.‏

ورغم كل ذلك ما زال بيننا أو بين ظهرانينا «عرب» وليتهم كانوا عربا، يطبلون ويزمرون ويطربون لكل ما يسوقه الغرب عن السلام المزعوم مع إسرائيل حتى وهي في أوج إجرامها وعدوانها ضد الفلسطينيين والعرب، وما زال البعض منهم متمسك باتفاقيات «سلام» مع هذا الكيان الغاصب رغم أنه انتهكها عشرات المرات والمرات، بحجة الالتزام بالمعاهدات الدولية والاتفاقات الموقعة وتشجيع السلام والاعتدال، في حين يمول هؤلاء «العربان» بأموال شعوبهم وخيرات بلدانهم حربا إرهابية ضد سورية لأنها وقفت وحيدة تدافع عن فلسطين وعن العروبة وحملت لواء المقاومة لكي لا تسقط الأمة في براثن الصهيونية والامبريالية المتوحشة كما وقعت في السابق في براثن العثمانية المتخلفة والاستعمار الغربي الأوروبي الذي زرع بيننا الكيان الصهيوني وأورثنا ممالك ومشيخات تخاف على العار أن يمحى فتذهب إلى العمالة والتآمر ضد شعوبها وأمتها ظنا منها أن ذلك سيبقيها بعيدة عن الخطر المحدق ولكن هيهات..!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية