الإشكال ناتج عن أن بعض الناس يعتقدون أن المكان الذي كان كوكب المريخ موجوداً فيه في السماء لحظة ولادة كائن من البشر يمكن أن يجعله طويلاً، وسيماً، أو سعيداً، أو ربما قصيراً، بشعاً، أو تعيساً؟ وقد يكون السبب في ثرائه أو فقره؟
ويأتي الرد من الباحثين بقولهم : إذا كنت من الأشخاص الذين لا يزالون يؤمنون بأفكار المنجمين التي تحاول الاقتراب من العلم فربما عليك أن تعيد التفكير من جديد.
لنقل أن طفلين ولدا في اللحظة ذاتها. الأول ولد تحت أضواء ساطعة في مستشفى راقية ضمن مدينة كبيرة على مستوى سطح البحر في جو صحو وبحضور طبيب متمرس وممرضات خبيرات.
أما الثاني فولد في غرفة مظلمة ضمن منزل صغير في قرية متواضعة على ارتفاع حوالي 1000 متر فوق سطح البحر في جو ماطر وبحضور قابلة القرية العجوز.
هل يمكن لهذه الاختلافات في لحظة الولادة أن تؤثر على مصير هذين الطفلين في الحياة، أو حظهما في الحب أو الثروة أو السعادة؟؟ طبعاً لا.
فالأول منهما عاش حياة لاهية وأضاع ثروة أبيه وقضى منتحراً بعد صدمة عاطفية، أما الثاني فأصبح أستاذاً كبيراً في الفيزياء الإلكترونية وصاحب أكبر سلسلة من مصانع الإلكترونيات.
إذاً لم تؤثر هذه الاختلافات الملموسة في ظروف ولادة هذين الطفلين، فكيف إذاً سيؤثر كوكب المريخ من على بعد ملايين الكيلومترات عن الأرض؟
لننتقل إلى لغة الأرقام. حين يكون المريخ أقرب ما يمكن إلى الأرض، أي على مسافة 56 مليون كيلومتر، فإن قوة الجاذبية التي يطبقها المريخ على جسم الإنسان تبلغ 0.000000014 م/ثا2.
أما بالنسبة للطفلين الذين تحدثنا عنهما أعلاه فإن الطفل الذي ولد عند سطح البحر معرض لجاذبية أكبر بــ 0.003 م/ثا2 من الطفل الآخر المولود على ارتفاع 1000 متر.
أي إن تأثير فرق الجاذبية فقط على هذا الطفل هو أكبر من تأثير المريخ عليه بحوالي 200,000 مرة!
فكيف يمكن لنا أن نفكر أن جاذبية مثل هذه الأجرام يمكن أن تؤثر على الإنسان، بل على مصيره كما يقولون، في حين أن اختلافات الجاذبية الناجمة عن وجودنا على سطح الأرض تفوق تأثير هذه الأجرام بآلاف المرات.
بل إن وجود الأشخاص من حولنا يمتلك تأثيراً أكبر بكثير من تأثير كوكب المريخ. فهل تعرف أن الشخص الموجود بجانبك يمكن أن يؤثر عليك من خلال قوة الجاذبية؟
إن وجود ثلاثة أشخاص على بعد متر واحد منك في لحظة معينة سيكون له تأثير مشابه لتأثير كوكب المريخ عليك، فما بالك إن كنت تركب حافلة تؤوي عشرات الركاب أو تجلس في مسرح يضم مئات الحضور؟
لنتحدث عن الإشعاع. يمكن للإنسان أن يتأثر بالحقل المغناطيسي للإشعاع الكهرطيسي أو التيار الكهربائي.
من الواضح أنه لا توجد أي تيارات كهربائية بين الأرض والمريخ، وأن أي حقل مغناطيسي لا يمكن أن يؤثر إلا في حدود بضعة مئات من الكيلومترات عن الجرم، فضلاً عن أن الأرض تمتلك كرة مغناطيسية في غلافها الجوي تقيها من التأثيرات الخارجية.
أما بالنسبة للأشعة الكهرطيسية فإن الغلاف الجوي للأرض يمنع دخولها بشكل كامل، فيما عدا الأشعة فوق البنفسجية (التي تصدر عن الشمس) والموجات الميكروية (التي تصدر عن الإشعاع الكوني)، وكلاهما لا يصدران عن المريخ إلا بكميات زهيدة للغاية بالكاد يمكن رصدها بوسائل المراقبة، فأنى لها أن تؤثر على جسم الإنسان ومصيره؟؟ إن مجرد نظرة وجيزة متمعنة ستجعلنا ندرك أن التنجيم بكل أشكاله ليس سوى خرافات ومضيعة للوقت.