وبالتالي لاستعادة هيبتها التي انهارت أمام مقاومته البطولية التاريخية. وقتها ظنت إسرائيل أن الفرصة جاءتها من السماء الزرقاء كما يقول المثل الأمريكي فإذا بها ونتيجة لقتال دام 34 يوماً تتحول إلى كارثة للاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية وهزيمة مؤلمة لجيش الحرب الصهيوني ووبال على القيادة العسكرية فيه.
لكن إسرائيل أرادت أن تعيد الكرة لتستعيد هيبتها معتقدة أن صواريخ حماس تعطيها الفرصة لتسحق كل ما هو مقاوم في غزة التي خرجت عن الطوع والمشروع الأمر وصهيوني منذ أن فازت حماس بالانتخابات التشريعية ويبدو أن كل آلة العدوان التي يملكها الجيش الصهيوني لم توفر القناعة الكافية لقيادته لضمان الجولة مع حماس فبادرت القيادة العسكرية الاسرائيلية مع أول يوم لبدء عدوانها على غزة بطلب ارسالية أسلحة أمريكية بقيمة ثلاثة مليارات دولار ووصلت على جناح السرعة لإسرائيل من مقاتلات ف-16 وحوامات قتالية هجومية وصواريخ تاو وهلغاير وقطع الغيار اللازم إضافة إلى الوقود والقنابل الذكية.
إن أوجه العدوان في حرب تموز وأجوائها السياسية المرافقة لها لا تختلف عن طبيعة وأجواء شتاء غزة فكما دمرت آلة اسرائيل الجوية لبنان وبنيته التحتية بشكل خاص تحت ذريعة أنها لا تقصد لبنان بل حزب الله ها هي اليوم تعيد الأمر نفسه فساسة إسرائيل تبادلوا الأدوار بأنهم لا يقصدون في حربهم غزة وشعبها إنما ضد حماس وفصائل المقاومة التي تقف معها في حين أن حجم الأهداف التي قصفتها إسرائيل لم تميز ما بين الأخضر واليابس في أنحاء غزة ومجمل الحياة فيها كما هو الحال ما شهده لبنان وعانى منه أيام عدوان صيف عام 2006.
أما الموقف الأمريكي فكان متطابقاً أيضاً في تحركاته المساندة لاسرائيل سواء ضد حزب الله أم ضد حماس.
فالوزيرة الأمريكية الصهيونية رايس قالت في كلتا الحربين أن الإدارة الأمريكية تتفهم دوافع إقدام إسرائيل لشن عملياتها العسكرية لكن مع فارق واحد أن قرار العدوان على غزة أعلن من قبل الوزيرة الإسرائيلية ليفني من بلد عربي وليس من تل أبيب.
كما أن التماثل في كلتا الحربين هو أن إسرائيل استفادت من حال الخلافات العربية ورجحان هذه الحال بشكل واضح في حرب غزة لصالحها. ففي حربها على لبنان عام 2006 أظهرت اسرائيل قدرة محدودة نسبياً على انتهاز فرصة تلك الخلافات العربية خاصة ما صنف بين معتدل ومتشدد لتحقيق أهدافها وخاصة في وضع الحكام العرب المعتدلين في موضع العاجز أمام عملياتها العسكرية ولتؤكد لهم من جديد أنها لا تريد سماع أحد سوى صوتها وعلى الجميع أن يخضع لقرارها حتى السلام العربي المقدم إليها على صحن من فضة لم يكن في حسبانها أو حساباتها على الاطلاق. وعلى هذا الأساس كانت قمة الدوحة رداً على ذاك التصلف الاسرائيلي ولو بحدوده الدنيا في اطار العمل العربي المشترك وفي كشف حقيقة اسرائيل العدوانية على أنها الخارجة عن القانون والشرعية و أنه آن الآوان لفعل عربي يقول لها على أقل تقدير كفى و كفى و ان العرب لن يسمحوا لها باستمرار اطلاقها العنان لنفسها بلا أي حدود أو قيود و دون أي رادع.
لقد عرت قمة الدوحة في أبسط الأحوال أكذوبة اسرائيل بأنها ترمي من عملياتها العسكرية على غزة لتوفير حياة آمنة لشعبها فأي شعب هذا الذي يعتبر أنه آمن اذا كان هذا الأمر لا يتوفر الا بشلال من الدم العربي الفلسطيني . كما أن قمة الدوحة عرت أهداف العدوان الاسرائيلي على أنه يغفل القضاء على الفلسطينين على أي سلام معهم و أن العدوان أيضاً يريد ازالة حماس ومن معها في مشروع المقاومة وبالتالي ازالة اثار هزيمتها في لبنان في صيف 2006 و هما بالتأكيد كما أكدته قمة الدوحة يهدفان إلى ترسيخ الاستراتيجية الامروصهيونية في المنطقة العربية تقوم فيها اسرائيل بالدور الاساسي في القيادة و التوجيه والبقية ليس لهم سوى دور الكومبارس في التطورات المستهدفة بحق أمة العرب..
ان قمة الدوحة ستبقى بنبض الشارع العربي الذي طالما أراد أن يسمع صوته ولو لمرة و هاهم أحرار العرب تجاوبوا مع هذا الضمير العربي الحر و أكدوا لأمتهم أن هذه الامة هي أمة حية و لن تخذل كما يروج لها أعداؤها و حلفاؤهم و هي الأكبر في أن تنزع عنها رداء الاستسلام و الذل و الهزيمة وهي الأقدر على أن تلبي طموحاتنا و تعيد إلينا أحلامنا في التوحد حيال أخطار تطول الجميع و لن يستثنى منها أحد.
ما هو الشبه بين الأمس في نصر 2006 و صمود غزة الذي أقرته قمة الدوحة وعززته بوجدانية ضمير الصوت العربي الحر هو دم عربي جديد يسري كما في نبض الشارع العربي وصولاً إلى شرفاء هذه الأمة أينما كان موقعهم و سلطتهم كي تعيد لهذه الأمة ألقها وعنفوانها القومي الذي تبدد في وقت قريب إلى حلم تائه بعد ضياع البوصلة العربية عن وجهتها الصحيحة.
ان قمة الدوحة مفصل جديد في تاريخ هذه الأمة التي بينت خطورة الاستكانة العربية للحال التي وصلت إليها و أن سياسة الاستسلام والمسالمة أمام اسرائيل وحليفتها أمريكا لم تجن سوى الدمار و الخراب والدماء كما أنها لم تكن يوماً مصدراً للخير و الاستقرار و الرخاء العربي. و لهذا فإن قمة الدوحة يكفيها عروبة أن تقول لاسرائيل ولواشنطن لن يكون هناك مبادرة عربية للسلام بعد اليوم بعد أن قررت تعليق المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها قمة بيروت العربية وبعد أن تفاعلت هذه القمة مع صوت ومطلب الشارع العربي في وقف التطبيع المجاني مع اسرائيل وقطع أشكال التعاون معها بما فيها اغلاق المكاتب الاسرائيلية في العواصم العربية
ويكفيها فخراً و اقتداراً ما أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة و أن على هذه الأمة أن تكون على استعداد بأن ما يحصل في غزة لن يستثني أحد فالعرب جميعاً في مركب واحد فإما أن يغرقوا جميعاً أو يعلوا جميعاً وهم الأقدر على ذلك طالما أنهم امتلكوا الارادة الحرة في قمة الدوحة .