تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من أين تبدأ مقاربة مذبحة غزة.. تلك هي المسألة!

شؤون سياسية
الأحد 18-1-2009م
بقلم: علي الصيوان

يكاد قلب المراقب العربي يتفطر حزنا للمفارقة في التبادلية في المواقف حيال قضية المذبحة الاسرائيلية في قطاع غزة بين مسؤولين دوليين ومسؤولين عرب،

كأن تنبري دولة أجنبية مثل فنزويلا لطرد السفير الاسرائيلي، في حين يطمئن السفراء الاسرائيليون الثلاثة في العواصم العربية إلى أنهم ينامون باطمئنان دون أن يتهددهم طرد، أو حتى مجرد استدعاء إلى وزارات الخارجية في العواصم الثلاث لإبلاغهم احتجاجا رسميا من أي درجة على الوحشية الاسرائيلية المشهودة والجرائم الموصوفة المقترفة في قطاع غزة.‏

والأمثلة على المواقف التي يفترض أن يتخذها عرب ويحجمون في حين يتخذها أجانب، كثيرة إذ لايمضي يوم منذ بدء المذبحة الاسرائيلية 27 الشهر الماضي وحتى الساعة دون أن يسجل رجال شجعان في عواصم العالم مواقف داعمة معنويا لنهج المقاومة الذي يعتنقه شعب فلسطين خيارا وممرا اجباريا وحيدا نحو الحرية.‏

في الضد من ذلك، وهنا مبعث الأسى والقلق، نجد تدحرجا في خطاب بعض العرب، من الحيادية إلى التطابق مع جوهر الخطاب الاسرائيلي، بدءا من توصيف الضحايا بأنهم قتلى، وليسوا شهداء (!) وصولا إلى دعم مطلب «اسرائيل» في استبعاد قمة عربية تتخذ موقفا موحدا تعتد به موسكو وبكين وأنقرة في الأمم المتحدة ومرورا بإلقاء المسؤولية على حركة حماس في وقوع المذبحة.‏

وكيلا يستغرقنا السرد في الأمثلة التي تثير السخط، نتوقف عند الحراك الدبلوماسي الجاري في ردهات الأمم المتحدة، وفي أقاليم العالم ، لفحص المواقف: ما يقترب منها أو يبتعد عما يجب ويمكن عمله لإنقاذ شعب فلسطين من المحرقة النازية الجديدة حسب خطاب كاراكاس.‏

فلقد شدّ الأوروبيون الأنظار إلى دور لهم بجولة وفد الترويكا في بعض أصقاع المنطقة، وبالزيارات المكوكية التي قام بها الرئيس الفرنسي، كذلك في بعض العواصم المعنية كان يجري وفي الكيان الصهيوني نفسه.‏

وقد استرعى الأوروبيون الانتباه مرتين، مرة بمجيئهم محمولين على بيان للاتحاد الأوروبي يصف عدوان «اسرائيل» في غزة بأنه « دفاع عن النفس»(!!) ومرة في اعلان الرئيس ساركوزي، أمام أولمرت، أنه سمع من الرئيس مبارك كلاما صريحا يتمنى فيه ألا تنتصر حركة حماس في المواجهة الجارية في قطاع غزة(!!!).‏

ولأن مصر لم تنف ما قاله الرئيس الفرنسي من كلام مثير للدهشة، فإنها بذلك تؤكد تفسيرا لإسهامها في تغييب الحراك الدبلوماسي العربي ولدورها الفعال في عرقلة الاستجابة العربية لدعوتين عربيتين ( سورية وقطرية) من أجل عقد قمة عربية طارئة تبلور، كما أسلفنا، موقفا عربيا تعتد به موسكو وبكين وأنقرة في مجلس الأمن، والمحافل الدولية الأخرى.‏

وبه يصير متاحا فهم العرج الذي يكابده الحراك الدبلوماسي العربي المشفوع بالقاعدة القائلة: إن أحدا في العالم لايمكنه أن يكون ملكيا أكثر من الملك نفسه!.‏

فهذا يفسر التلعثم الذي اتسمت به مداخلات بعض الأصدقاء في مجلس الأمن يومي 6 و7 الجاري. إذ لو كان العرب قد بلوروا خطابا موحدا في قمة طارئة، أو في اجتماع وزراء خارجيتهم في القاهرة 31/12/2008. كانوا قد قوبلوا بالوضوح والثقة والمزيد من الشجاعة لدى الأصدقاء في الحراك الدولي العام حيال قضية غزة الذي صار مجلس الأمن بؤرته المركزية ومعقد اجراءاته.‏

وأبعد من ذلك، فإن مما ينسجم مع هذا الغياب العربي، والأدق: «التغييب» تجرؤ الاتحاد الأوروبي على الحقيقة في توصيف عدوان «اسرائيل» في غزة أنه «دفاع عن النفس»!. والأمر نفسه ينسحب حتى على الجهوزية الأميركية المسبقة لتبرئة «اسرائيل» من وزر الجرائم التي تقترفها في عدوانها، وبصفة خاصة من جرائم الحرب واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين العزل، كجريمة القصف العمد للمدنيين الفلسطينيين الذين احتموا كأسلافهم شهداء قانا 1996 بمبنى الأنروا في غزة الذي يرفع علم الأمم المتحدة ويضم موظفين دوليين شهدوا واقعة الوحشية الاسرائيلية في القصف العمد، وسقوط نحو أربعين شهيدا وعشرات الجرحى.‏

وما يجب استخلاصه من ذلك، لاستكشاف آفاق الحراك الدبلوماسي الدولي، وفيه الأوروبي وحتى الأميركي، هو أن تغييب الدور الغربي ، إنما يفسح في المجال لدور اسرائيلي نشط ومؤثر يستقوي بالثغرات في الموقف العربي، ولاسيما تلك التي يلاقي فيها موقف «المعتدلين» العرب موقف العدو الصهيوني في منتصف الطريق.‏

زد على ذلك، فإن تغييب الدور العربي يبدد المواقف الصديقة ويقسمها ويحد من فاعليتها في الحؤول دون « اسرائيل» والحصول على مكافئ سياسي من عدوانها.‏

فما الثغرات في الموقف العربي ؟ وكيف تستقوي بها «اسرائيل»؟.‏

أوضح هذه الثغرات إعادة إنتاج التطلب الاسرائيلي الخاص بإنهاء حكم حماس في غزة، الذي عبرت عنه ليفني في القاهرة قبيل انطلاق ماكينة القتل بيوم واحد، وحددت له أفقا هو «عودة الوضع في قطاع غزة إلى ما قبل سيطرة حماس» وكما قالت: من أجل عودة الواقعيين إلى القطاع واستئناف مفاوضات السلام من أجل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام».‏

وعلى الأثر صار هذا الهدف الاسرائيلي المعلن للعدوان على غزة حجر الزاوية في خطاب الدول العربية المعتدلة تحت عنوان: عودة القوات العسكرية الاسرائيلية إلى مواقعها قبل 27/12/2008 وعودة الشرعية الفلسطينية إلى القطاع ووقف إطلاق صواريخ القسام.‏

وسرعان ما صاغ الرئيس الفرنسي، في رحلاته المكوكية: إلى القاهرة ومنها فإليها، هذا التماهي العربي مع خطاب ليفني المشار إليه تحت عنوان :« الوقف المتبادل لإطلاق النار وعودة السلام إلى غزة».‏

وفي تداعيات هذه الاندفاعة الأوروبية التي تتقدمها فرنسا إلى مبادرة مشتركة مع مصر، قالت «اسرائيل» إنها تدرسها،.. عاد وفد الجامعة العربية من نيويورك بخيبة تم تصنيعها تحت ضغط التلويح الأميركي بالفيتو ضد أي قرار يشجب العدوان الاسرائيلي ويدعو لوقفه.‏

بيد أن اللافت في الاندفاعة الأوروبية التي تؤازر التباسها أميركا والصادمة للعرب الساعين إلى موقف عربي موحد ينتصر لدماء الشهداء وتسعى إلى رؤيته دائرة أصدقاء العرب هو أنه يقفز فوق المعيار الذي يقاس مدى جدية المبادرات به، وهو من أين تبدأ المقاربة لما هو جار في غزة ويستوجب وقف إطلاق نار متبادل؟‏

إذ إن أصل المشكلة الواجب التعيين هو الاحتلال الاسرائيلي. وممارسة الإرهاب، وفيه حصار غزة «لإنهاء حكم حماس»، أي لإخماد جذوة المقاومة لدى شعب فلسطين لهذا الاحتلال الموجب للمقاومة.‏

وفي مقابل خيار المقاومة، تنفرع عن هذا الأصل سياسة فلسطينية مارست القطع مع خيار المقاومة وحظيت بدعم المعتدلين العرب، وبمساندة واشنطن عسكريا للمضي قدما في طريق «التفاوض للتفاوض» مع «اسرائيل».‏

تحت يافطة «رؤية بوش» وما تلاها من خارطة طريق ورباعية دولية تجاهلت مركزية مسألة الاحتلال في منطلقاتها.‏

والذي يحدث الآن أن «اسرائيل» قد عجزت ميدانياعن كسر شوكة المقاومة في غزة وهي تدخل مأزقا سياسيا بعد خيبة رهانها على إهراق الدماء في انتاج وضع سياسي مناسب.‏

ولذلك تتجه، هي ومن يشاطرها الرغبة في إزاحة نهج المقاومة في فلسطين، إلى مبادرة دولية تعتمد بقرار من مجلس الأمن، جوهرها القفز على أصل المشكلة، وهو الاحتلال إلى استحضارقوات دولية، سبق أن طالب بها ياسر عبد ربه المتحدث باسم الواقعيين الفلسطينيين منذ 4/12/2008 لوقف اعتداءات الصهاينة في الخليل على المواطنين الفلسطينيين.‏

ما الذي يمكن لقوات دولية أن تفعله في غزة؟ يقينا إن أي مقاربة دولية، وحتى عربية للمسألة الفلسطينية ستكون مسدودة الأفق إذا لم تنطلق من معالجة الاحتلال الاسرائيلي للأرض، وما يتفرع عنه من إرهاب يقع حصار غزة في صلبه.‏

وسوى ذلك فإن استقدام قوات دولية إلى فلسطين تحت أي مسمى، سينصرف إلى أن تؤدي هذه القوات دورا عجزت عنه قوات الاحتلال، وهو قمع المقاومة لحساب الواقعيين واسرائيل معا.‏

siwan@ scs-net.org‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية