غارات طالت بتدميرها وقتلها كل شيء في غزة. البشر والحجر والشجر كل هذا ولا تزال دولة الاحتلال عاجزة عن تحقيق أي من أهدافها التي أعلنتها، لم تستطع أن تنال من القواعد الصاروخية المحلية الصنع بل كانت رسالة المقاومة الفلسطينية بليغة إلى دولة العدوان والاحتلال مفادها أن الضغط العسكري لن يوفر الأمن والحماية للمدن والمستوطنات الصهيونية في حدود (50 كيلو متراً) حول قطاع غزة وأبعد من ذلك خصوصاً بعدما سقطت الصواريخ الفلسطينية على مستعمرات «إسرائيلية» كبئر السبع وعسقلان ويبنا وأسدود إضافة إلى المواقع العسكرية الاستراتيجية في النقب الغربي.
وبدأت التصريحات الصهيونية من قبل حكام الكيان تخرج في المستويين العسكري والسياسي مع بدء هذه الحملة البربرية بأن أهداف هذه الحرب تتركز مثلاً حول القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) وتغيير الواقع في غزة بمعنى إنهاء حكم الحركة المنتخبة ديمقراطياً وبإشراف غربي وأمريكي بزعامة كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق إلى أن بات التركيز على وقف عمليات إطلاق الصواريخ، وبغض النظر عن كل هذه الأهداف فإن سياق العمليات العسكرية الصهيونية في غزة وحتى كتابة هذه السطور لم تستطع القضاء على هذه الصواريخ أو إيقافها والتي من الملاحظ أنها باتت أكثر تطوراً ودقة في إصابة أهدافها.
وبالتزامن مع الجرائم اللاإنسانية «الإسرائيلية» المتنامية في غزة برز اهتمام الكيان العنصري الصهيوني بالحرب النفسية التي عملت من خلالها دولة الإحتلال على تحريض سكان غزة من جهة على حركة حماس ومن ثم تحريض عناصر الحركة من جهة ثانية على قادتها وذلك عبر اختراق ترددات الإذاعة المحلية والقنوات الفضائية وتحديداً تلك المحسوبة على حركة حماس في غزة، والادعاء أن قوات الاحتلال تعمل ضد حركة حماس فقط غير أن النتائج المصورة والآثار المدمرة للغارات البربرية الهمجية اللاإنسانية ثبتت وتثبت كل يوم كذب وزيف الادعاءات الصهيونية وقادة الكيان العنصري الصهيوني على المستويين العسكري والسياسي.
ويتضح من إحصائيات المؤسسات المحلية والدولية العاملة في غزة أنه منذ الغارات الجوية «المباغتة» في السابع والعشرين من كانون الأول والتي أوقعت المئات من الشهداء والجرحى في صفوف عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة حماس أصبح بعد ذلك القتل والفتك منصباً على المدنيين، فأين هؤلاء الضحايا من الأهداف التي أعلنها حكام العدو والادعاء الكاذب بأن العمليات لا تستهدف المدنيين وإنما على مراكز حماس فقط؟.
والعالم بأسره يدرك أن حركة حماس ليست مجموعة من الخارجين عن القانون اقتحمت غزة فجأة وسيطرت على مجريات الأمور فيها أو أنها «هبطت من السماء» وإنما تمثل بجماهيرها وعناصرها جزءاً كبيراً بل هو الأكبر من النسيج الاجتماعي الفلسطيني بل تكاد تكون ممتلئة داخل كل بيت فلسطيني في قطاع غزة وغيره، وبالتالي يكون عبثاً وضرباً من المستحيل الحديث عن إنهائها أو القضاء عليها، إذ إن القضاء على حركة حماس يحتاج إلى قصف قطاع غزة بالسلاح النووي وإزالته من الوجود، هذه حقيقة يدركها حتى قادة العدو وهو ما عبر عنه رئيس بلدية مستعمرة «نتيفوت» الاستيطانية القريبة من قطاع غزة وذلك عقب مقتل وإصابة عدد من المستوطنين في التجمع، عندما قال: إن حركة حماس هي العنوان وطالما سيتم الحديث معها في النهاية فلماذا لا يتم الآن؟ ويتم معه وقف النزيف الدموي، من المؤكد أن رئيس البلدية الصهيوني ليس حريصاً على الدماء الفلسطينية وإنما حديثه ينبع من الحرص على دماء ابناء جلدته الصهاينة المستوطنين لكنه أوحى من حديثه أنه لن يتم إنهاء مشكلة الصواريخ والقضاء على «حماس» بالجرائم والحل العسكري.
لكن يبقى السؤال: إذا كانت الصواريخ بدائية الصنع تزعج دولة العدوان والاحتلال لهذا الحد فلماذا لم تنفذ التزاماتها تجاه القرارات الدولية واستحقاقات الهدنة السابقة؟، ولماذا دفعت بالأمور إلى هذا الحد الإرهابي المنظم جراء تنصلها من فتح المعابر ورفع الحصار الخانق المضروب على قطاع غزة وأهله منذ أكثر من عامين والذي تسبب في أزمات إنسانية خانقة تصل إلى حد الكوارث البشرية؟.