|
أشــــعار ... تنتظر في العراء رسم بالكلمات التي تبدو لغة هذيانية في ظاهرها و جهولة و خائفة في متنها , كتابات لا تعبر عن كيانها المحسوس وواقعها الراهن ولا تلتفت إلى مشاكلها و جراحها الأبدية إلا عبر تلك التراكمات الشعرية السابقة التي كانت تكرّس الرداءة و الخفوت والانقياد لأحاسيس الخارج بدلا من الداخل و الركض في مجاهل المفردة دون الإمساك بها, نصوص كانت تستحضر شعرية الحاضر و المستقبل بالنسبة لأصحاب المشاريع الذين كانوا يظهرون و يختفون مع قصائدهم, و مع الأسف أصبحت هذه الشعرية تمثل شأن الثقافة السائدة, بحيث لم تستطع هذه النمطية أن تصنع فضاء شعريا يعيش للمستقبل و لم تقدم اقتراحات حداثية بالنسبة للمخيلة و اللغة و الدلالة و المعنى. مع ذلك ظهرت بعض الكتابات الهادئة التي تبحث عن كينونتها عبر التجريب و الممارسة الشعرية و تجهد على ما تحرزه خلال مشاركتها في تثبيت حضورها و ترسيخ جدية تجربتها , ويأتي اهتمام احتفالية دمشق بهذه الكتابات ( مسابقة الشعر ) ضمن فاتحة صادقة في اكتشاف الكتابات الجديدة و اختبار جيل جديد قادر على التقاط تلك الحساسية و تأكيد صوتها و تلمس حضورها بنسف ما هو مستقر و التطلع إلى المستقبل عبر مرآة أخرى . هنا لا بد من وقفة نقدية عابرة على مجمل هذه الكتب الشعرية ( 12 ) و محاولة الاقتراب من حقولها الشعرية: ( من أطلق النار أولا ؟ ) مضّلل المعنى يأتي صوت معاذ اللحام هادئا و مباغتا من بين الأصوات الشعرية الأخرى , هدوء يكاد ينفلت في كل نص من نصوص المجموعة - التي اقتربت من 88 صفحة موزعة على شكل مقاطع و بعناوين منفلتة- لولا التذكر و الانصياع إلى هسهسات قاعه و عمقه, و لولا الصوت المبهم الدائم الذي ينادي و يستغيث من مكان ما في ذاكرته التي تستنجد عبر التوجه نحو أناه الظاهرة بجلاء السطور التي تتهاوى فجأة على شكل جمل أو جملتين ليصبح المعنى أكثر لمعانا و استدرارا للصور المضغوطة المصطفة بحنان عابر , و تفتح اللغة أبوابها متوجهة نحو بناء دلالاتها الملغزة و الواضحة أحيانا أخرى . شعرية اللحام قائمة على تضليل المعاني و الإيقاع بها و إن بدت كلها علامات أو مدلولات عابرة النص و حسب , تتصارع في إيجاد حلول للنص و فتحه من كل جوانبه المغلقة المقلقة , لتؤلف نواتها من بنيتها الواضحة جدا كباطن الكف , و تمهل الصور الزاحفة إن تعبّر عن جماليتها من خلال تحولاتها و تجانبها التعبيرية الممنوحة : أيأتي يوم \ نتمنى فيه أن نكون أقل سعادة \ لفرط سعادتنا يجرفنا سعادتنا \ يجرفنا النهر \ و يصقلنا التيار\ كحصيات ملونة ؟ ص18 مخافة معاذ انه لا يختبر لغته الشعرية و لا يعود إليها إلا مهينة و تائهة وسط السرد الذي يقطع أوصال الشعري و يبعثرها على شكل اقتراحات شعرية تسيطر عليها ( الأحاسيس العابرة العالية ) و البساطة في قول الأشياء دفعة واحدة , بتلك العودة إلى الداخل ( الذات ) بلباس شفيف لا يستر عورة الكلمات , و النكوص خلف المعاني المتكررة المستباحة أحيانا في أكثر من مقطع , رغم الجهد و المبالاة و الرصانة في انتشال النص الشعري من سرديته و عاديته : بعد يومين \ أتت و قالت: انتظرني أعلى الصخرة \ و بعد قليل \ أنا و هو\ تطلعنا إلى البحر \ و كمطر في بحر انهمر الصمت \ لامتلئ بك \ افرغ منك \ فبعد اقترافك \ برزت ملامح فلسفتي . ص 85 تجربة معاذ اللحام لا تهمها الأسئلة الكبيرة و لا التفاصيل المكثفة, ذات شقوق و زوايا تحمل أكثر من مرمى , هو ينقب عن أفكار كبيرة عبر كلمات مجتزأة منفصلة عن جسدها , لا يشعر القارئ أنه المعنّي هنا , أو هو المرمى في المقام الأخير
|