عن هذا الموضوع أقيمت في المركز الثقافي العربي في إبو رمانة ندوة بعنوان تاريخ القدس تحدث فيها الدكتور منذر حايك عن تاريخ القدس القديم وقدم شرحاً لأسماء القدس والبوابة كانت من معنى القدس التي تعتبر أحدث الأسماء الشائعة وهي لفظة جذرها كنعاني جاءت من قادس أو قادش أي المقدسة ويعتقد أن القداسة الكنعانية كانت ترتبط بالماء الذي يطهر الإنسان فيكون المقصود هنا نبع سلوان والطهارة الكنعانية هذه هي التي استمرت في طقوس العمادة المسيحية والوضوء والاغتسال الإسلامي. الاسم الثاني هو بيت المقدس أو البيت المقدس وهو الاسم الذي دعاها به العرب المسلمون فهي أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين وإليها كان الإسراء والمعراج وأخذت العبرية التسمية «بيت المقدس» ، كما أخذت كل التراث العربي الكنعاني المتعلق بفلسطين .
أما يبوس فهذه التسمية نسبة إلى فرع كنعاني سكنها اليبوسيون وذكر أن الملك اليبوسي ملكي صادق وهو من بنى قلعتها على جبل صهيون الذي كان يطل على قدس العصور القديمة من الجنوب الغربي والآن تشغل المدينة العربية جزءاً كبيراً منه وتمر اسوارهامن فوقه ، أما الاسم الذي تدور حوله خلافات وآراء عديدة لتفسيره فهو أورشليم أو الأصح يروشالايم والمتفق عليه أنه أطلق عندما بنى اليبوسيون هيكلاً لإلههم سالم أورشاليم فاسم أورشليم ، هو تقريب للاسم الكنعاني يروشالايم وتم تداول هذا الاسم قبل أن نعرف اللغة العبرية بدليل أن اليهود وجدوا صعوبة في كتابة اسمها باللغة العبرية فالياء الأخيرة لم تثبت في الكتابة العبرية وقد كتبت بدونها في أسفار العهد القديم إيلياء جاء هذا الاسم في أواسط القرن الثاني الميلادي عندما دمر الامبراطور الروماني ايليوس هادريانوس مدينة القدس ثم أعاد بناءها كمستعمرة رومانية ودعاها باسمه كولونيا ايليا كابيتو لينا ولكن هناك من يقول إن الاسم أقدم من ذلك وله علاقة بالإله ايل أكبر آلهة المنطقة وأقدمها.
وايلياء هو الاسم الذي عرفها به العرب زمن الفتح وكتبه عمر بن الخطاب في العهدة العمرية، وعن اسم فلسطين قال الدكتور حايك إنه يميل الآن قسم كبير من الباحثين للاعتقاد بأن تسمية أرض كنعان بفلسطين لم تكن نسبة إلى قبيلة فلشت الكنعانية التي تعني كل فلسطين ويعتمدون في ذلك على ما ورد في النقوش المصرية.
وأضاف: إذا وضعنا كتاب التوراة في الإطار الثقافي الحقيقي له وهو الثقافة السورية القديمة واعتمدنا نتائج الكشوف الأثرية والأحداث التاريخية سنتفاجأ بأن أرض فلسطين لم تعرف شعباً متميزاً باسم العبرانيين كما لم نعرف لغة أو ديناً عبرياً مستقلاً وكل ما اصطلح على تسميته بالعبراني هو كنعاني أصلاً.
ويبدأ تاريخ القدس المكتوب من القرن الثامن قبل الميلاد ففي عام 705 قبل الميلاد حاصر الملك الآشوري سنحاريب القدس وأخذ الجزية من ملكها حزقي ايل وفي عام 579 قبل الميلاد حاصرها الملك الكلداني البابلي نبوخذ نصر وفتحها.
و لشدة اهتمام العرب بمدينة القدس فكر الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بنقل عاصمة الدولة العربية الإسلامية إليها، وعندما احتل الفرنجة القدس عام 1009 م من مذابح ودمار وحرق فقد قتل الفرنجة العرب المسلمين لأنهم كفار وقتلوا العرب المسيحيين لأنهم هراطقة ولما قام صلاح الدين بتحرير القدس من الفرنجة سمع العالم كله بإنسانية العرب من خلال المعاملة الفريدة التي عامل بها الفرنجة.
الدكتور سهيل زكار تحدث عن العلاقات غير الحسنة بين حقائق التاريخ الموثقة وبين أطروحات الإيمان الكهنوتية القديمة والمعاصرة موضحاً أن التاريخ ليس معادياً للإيمان والتقوى لأنه يبحث دوماً عن الحقيقة.
وقال: إن القدس لم تكن موجودة قبل 800 قبل الميلاد وهذا ما دلت عليه الحفريات الأثرية واسم القدس هو الأقدم وهو الاسم العربي وهناك وجهة نظر فرضية بأن الآشواريين عندما احتلوا فلسطين منحوا المدينة اسم أورشليم ولكن عندما تتعامل مع هذا الاسم تبقى هناك فرضيات بأنه لدينا قرب مدينة ماري على الفرات مدينة اسمها أورشامو فلا تزال هناك قضايا كثيرة في التاريخ القديم تحتاج إلى إعادة نظر ودائماً الأمور تتعلق بالمكتشفات الجديدة وما اكتشف يحتاج إلى إعادة دراسة وتفسير وتعامل وتحرير من أوهام الإسرائيليات.
بالنسبة لحائط البراق في الحقيقة هو ليس حائط البراق ولا المبكى إنما في أيام سليمان القانوني الذي كان متحكماً فيه يهودية بولونية اسمها ركسلانا وتزوجها وعمرها 14 عاماً استطاعت أن تؤثر على سليمان وبعض السلاطين العثمانيين من قبله لكن هو أول من خرق العهدة العمرية وسمح بإسكان اليهود في القدس وأشاع بأنه رأى سيدنا محمداً عليه السلام وأمره أن يعتني بالقدس فقام سليمان بإرسال المعماري المشهور سنان باشا إلى القدس وقام سنان بتطويق المدينة بسور بلغ طوله حوالي 2 كيلو متر وبنى نافورة جميلة جداً في قلب القدس كما بنى بوابة دمشق لكن الأخطر أنه رأى اليهود يتعبدون قرب صخرة في طرف المدينة فبنى لهم كما يسمى الآن تصوينة أمام أحد جدران المسجد الأقصى ونقلهم وأصبحوا يصلون هناك وصار اسم هذا المكان حائط المبكى ونحن نسميه حائط البراق.
إن موضوع القدس وعلى مذهب صلاح الدين يقول ابن شداد عندما تحدث عن صلاح الدين أنه كان لديه من القدس المقيم المقعد فهي كانت همه الوحيد وفي الحقيقة هذا ينطبق تمام الانطباق علىالقائد الخالد حافظ الأسد الذي كان يضع دائماً خلف مكتبه صورة حطين ويتطلع دوماً لحطين جديدة ونحن ننتظر الفرصة لكي يقود السيد الرئيس بشار الأسد جموعنا نحو حطين جديدة لتحرير القدس ولاسيما أن الأوهام المتعلقة بالآلة العسكرية الحديثة حطمت في العراق ولبنان والآن نشهد التحطيم الأخير لها في مدينة غزة الصامدة.
وأنا أتمنى دائماً على نفسي وعلى غيري التحرر من وباء الاسرائيليات وهو وباء خطير جداً ونحن نشاهد أحياناً على الشاشات البيضاء بعض ذوي اللحى الوعاظ الجدد يتغنون بأمجادهم ويقولون عن بني إسرائيل ولا يعرفون أنهم يسممون آراء كل جماهيرنا ويقدمون خدمات للصهيونية لا تقدر بثمن وقد مضى أكثر من نصف قرن على الصراع العربي الإسرائيلي ولانمتلك في الوطن العربي مؤسسة للدراسات الصهيونية وهذا أمر محزن ومخزٍ في الوقت نفسه.
أضاف الدكتور زكار: إن هناك تشابهاً كبيراً وصلة روحية كبيرة ما بين مكة والقدس وكنت دائماً أردد أن من يفرط بالقدس فهو مفرط بمكة والمدينة ومع الأسف كثيرون الآن يفرطون حتى بأنفسهم وطبعاً الحساب عند الله تعالى سيكون شديداً.
وأوضح أهمية موقع القدس الاستراتيجي والتجاري والأمر الذي شد الأنظار إليها هو أنه كان في منطقة قرب وادي عربة مناجم نحاس وتبين بالأبحاث الأخيرة أن هذه المناجم هي الأقدم في المنطقة وكان هناك أيضاً معامل لتصنيع النحاس وتحويله إلى برونز وكان الآشوريون والبابليون بحاجة إلى البرونز للسلاح والمصريون أيضاً، لذلك كان هناك صراعات دائمة للاستيلاء على فلسطين والتحكم بهذه المناجم وأدى هذا الصراع إلى تهديم بعض الحوافز في فلسطين وأهمها لكش جنوب القدس وهذا هيأ الفرصة لبهاء القدس التي كانت عبارة عن مخافر في أعلى جبل صهيون وهذا ما أدى إلى الاهتمام بالمنطقة.