ومن وحي هذه الضفائر تبتدع بذاتها وبمساهمة من رجع الصدى المتواتر كفاءة متفردة لإحياء أطر الاستنهاض بهوية جديدة ممزوجة بوعي الإرادة المصممة على تجاوز الواقع القائم مأزوماً كان أم مهزوماً، والارتقاء به إلى ما يشبه تاريخه ويتجانس مع ماضيه ويدير ظهره لحاضره المنفر!
هذه هي صرخة دماء غزة النازفة في مشهدها الملحمي التاريخي، صرخة أيقظت الضمير العالمي وأخرجت الأمم والشعوب عن صمتها المألوف لتنتصر لاستغاثة دماء أطفالها ونسائها وشيوخها صرخة أيقظت فينا حيرة السؤال المثقل بمشاهد الإجرام الصهيوني الذي ينتج في كل لحظة وحشية تعري الكيان الصهيوني وتفضح عنصريته سؤال يقلقه مشهد الصمت العربي مقروناً بـ: «لامبالاتهم» تجاه ما ارتكبه وما يرتكبه العدو الإسرائيلي من مجازر بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة.
صمت اندس بعض العرب في مضاجعه مع إعلان «إسرائيل»حربها الغاشمة على غزة وأحاطوه بتعويذات من فرقة الأمة وشتاتها ودحضته بتراتيل الشحناء والعداوة لبعضهم بعضاً عناداً منهم لخيارات شعب وطموحاته في الاستقلال والسيادة ورفض التبعية لأميركا، والركون للمحتل الإسرائيلي صمت موبوء بنسيج المبادرات وسحرها ، المبادرات ذات الطابع التعويضي المنساق وراء خيارات العدو المأخوذة بعناية مقابل، لا بل على حساب المطالب الوطنية والقومية المتكاثرة ليكسب العدو من خلال التفاوض المخادع ما عجز عن كسبه بالقوة والحرب.
إننا أمام صورة مدهشة للواقع العربي تنفتح أحد مشاهده على حالة من الصمود الاسطوري لمقاومة تكتب بنزيف جرحها تاريخاً جديداً لأمة حاول حكامها أن يدخلوها في متاهة التاريخ الأميركي الإسرائيلي بينما نجد على الضفة الأخرى مضاجع يخيم فيها الصمت العربي عما يجري من مجازر وحشية بحق الأبرياء في غزة.