|
دمـــاء شهدائنـــا وزفرات أحيائنـــا...! آراء وقد يكون في عداد الشهداء ما نسبته أكثر من خمسين بالمئة من النساء والأطفال إلى جانب أكثر من ثلاثين بالمئة من الشيوخ العزل والمدنيين. وقد تغتال (بطولة) الجيش الذي لا يقهر! مزيداً من الرضع في القطاع - بل وفي غير القطاع، بالرصاص الموجه إلى (الرأس أو الصدر) كما شاهد العالم كله عبر الشاشات ما حدث لثلاثة من الأطفال - الأشقاء - حيث إن (القنص الاحتلالي) استهدف الرضيع الأول برصاصة في الرأس، والثاني برصاصتين في الصدر، والثالث الذي لا يتجاوز عمره أربع سنوات، برصاصة في القلب، التبرير الدي قدمه الناطق باسم جيش الاحتلال كان: (لسنا بحاجة للتبرير: التعليمات تقضي باستهداف كل متحرك). هذه هي رجولة وبطولة واستئساد الغزاة. كلنا نعرف أن اللص يبقى مذعوراً - دائماً - وذي هي حالة المحتلين الصهاينة. ليس من الشجاعة أو الرجولة أو (الايمان بعدالة القضية) التصرف على هذا النحو الذي يندى له جبين الإنسانية إحساساً بالمهانة وبالعار، بل لنقل بوضوح إنه الجبن وإنه الخوف وإنه الإحساس بفقدان القدرة على السيطرة على الأعصاب حين يتم التفكير بما سيحدث (غداً). الطفولة تعني (الغد)، واستهدافها محاولة لاغتيال حركة الزمن أو لوقفها أو حتى لتغيير مسار الزمكان- دفعة واحدة. هؤلاء الجنود الذي دفعهم رؤساؤهم إلى أن يخوضوا في بحر الدم الفلسطيني - مرة أخرى - ليسوا إلا التعبير الدقيق عن فقدان الاحتلال الإحساس بالتماسك أمام مصير قادم لا محالة بصريح العبارة إن المحتل فقد القدرة على التوازن وهو يرى أن حبل (اللصوصية والغصب) قصير وأقصر مما كان يتصور، وعليه فهو - بكل خسة وجبن وحقد - يفجر ما يكتنزه من آلة القتل والدمار ومن قدرات إحراق واغتيال وتهديم - لعله بذلك يفلح في أن يجعل الفلسطيني ينسى مفردات مثل الحق، العودة، الكفاح المسلح، المقاومة، الحرية، الكرامة، القدس، غزة، حيفا، يافا، عكا، جنين ونابلس وطولكرم.. ورام الله وبيت لحم.. إلى آخر مخيم وكرم وتل وجبل وساقية وصخرة وشجرة في عموم فلسطين تلك التي احتلت في عام 1948 أو تلك التي احتلت في العام 1967. حسن جداً، نحن في هذا الظرف المصيري نعبر إلى حال جديدة تماماً، أقول: سوف يكون ثمة تاريخ قبل 27 كانون الأول 2008 وآخر ما بعد ذلك التاريخ أثق تماماً أن الغزاة إنما يزيدون من تعميق نهر الدم الفلسطيني حتى لا يقدروا على (العوم) فيه فيكون المصير أن يغرقوا فيه، أما من يمكن أن يبقى منهم حياً - ليشهد نهاية المشروع الذي ولد من خارج رحم التاريخ - فإنه سوف يحترق بزفرات أحيائنا وبآهات الأمهات الثاكلات، والنساء الأرامل، والأطفال اليتامى. نعم: أنا هنا لا أحاول على الاطلاق أن اطمئن مخاوفي واهدئ روعي وأحلق في الخيال، أنا أثق بالغد الفلسطيني العربي المشرق، لذلك أجمع الآن الأولاد والأحفاد - ليس حول موقد شتائي - فهم موزعون في أركان الأرض، لكني أجمعهم على (أبي رويس) ومعذرة لم أخبركم ما (أبو رويس) انه بستان أبي - من جدي، وجدي من جده إلى يعلم الله كم من العقود والسنوات بل والقرون - وهو بستان صغير - على سفح الكرمل - بمسافة لاتبعد أكثر من أحد عشر كيلو متراً جنوب شرق حيفا.. وهو كما أصفه لنفسي (فأنا ما زلت اذكره) أصفه لأولادي ولأحفادي أيضاً، مساحته لا تتعدى الخمسة دونمات ربما أكثر بقليل أو أقل بقليل مدور، محزم بنطاقين: الأول - خارجاً - أشجار صبار متداخلة ومتماسكة والثاني إلى الداخل، أشجار حور - المسافة بين الواحدة والأخرى لا تزيد عن المتر، اما مدخله فمن بين شجرتي (خروب) - لهما من العمر مئة أو اثنتان أو أكثر من السنوات مكتوب (اليوم) عند المدخل (أملاك الغائبين) نحن لسنا غائبين، نحن مبعدون ومشردون بالقوة وبالبطش ونحن عشنا ستين عاماً ونيفاً في المهالك لبعدنا القسري عن أوطاننا. إن سألتم كيف سنتعرف على البستان الصغير هذا؟ فالجواب هو: إنه مرتو بدماء شهدائنا من ألف عام وزيادة، وإن نسمته تكتنز عبق الآباء والأجداد، وإن لغته عربية، ولهجته من لهجة أصحابه، فلاحية شمالية، وإن زفراتهم - وزفراتكم هي التي أحرقت الغزاة والغاصبين إلى جانب من غرق منهم في بحر الدم الفلسطيني، حاولوا بتفجيره أن يغتالوا الحقيقة العربية لفلسطين. لست أظن إلا أن ما يجري في غزة هو بداية جديدة لاستعادة حلم العودة، وعلى أسس في مقدمتها: التمسك ليس بمفردة المقاومة بل التمسك nawafabulhaija@yahoo.com ">بخيارها. nawafabulhaija@yahoo.com
|