ما حكم الشريعة في العرافين والبصارين والمنجمين?
>> لا شك أن الذين يدعون معرفة الغيب,
ويتحدثون عن أرزاق الناس وأحوالهم المستقبلية, وأنهم من أهل السعادة أو الشقاء, أو أنه سوف ينزل بهم البلاء, أو يخاصمهم الأصدقاء, أو غير ذلك من الرجم بالغيب, فهو تجاوز صريح لحدود العبودية, وتقوُّل على الله بغير علم, وهذا من أعظم أسباب الفتنة والضلال, وهو من السحر والشعوذة والكهانة التي حرمها الإسلام, وهي ادعاء علم الغيب فقد روى مسلم رحمه الله عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: جاء ناس إلى رسول الله ] فسألوه عن الكهّان فقال: إنهم ليسوا بشيء, فقالوا: يا رسول الله: ( إنها الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه - أي الكاهن - قرَّ الدجاجة, ثم يخلطون معها مائة كذبة.... ).
فهؤلاء هم المنجمون وأمثالهم ممن يضرب بالحصى أو الرمل أو يعتمد على كتب الأقدمين, وطرائقهم في ادعاء معرفة الغيوب كعد الحروف المسمَّى بعدِّ أبي جاد أو ( حساب الجمل ) وهما من أقسام السحر, وقد كان يتعاطاهما قدماء اليهود, وقد ورد الزجر عنهما, ومنهم من يعتمد على زجر الطير وغير ذلك فكل هذا من التنجيم والشعوذة التي نهى عنها الرسول ] فقد روى مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها عن النبي ]: (من أتى عرافاً فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
والعرّاف هو الذي يدعي معرفة الأمور الغائبة.... قال الإمام النووي في شرح قوله ]: (لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) معناه: أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة عن سقوط الفرض, ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث, فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ] قال: ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد), ويحرم إتيان هؤلاء الكهان والمنجمين سواء صدقهم أو لم يصدقهم, أما تصديقهم فهو من الكبائر التي تورد صاحبها موارد الكفر والضلال....
ولا شك أن الإسلام يقصد من وراء ذلك تحرير العقول من الخضوع لغير الله عز وجل, وتبرأتها من الوهم والخرافة, وتخليصها من سيطرة المشعوذين والدجالين, ليعتمد المسلم على الله وحده في جميع أموره, ولا يركن إلى هؤلاء المتكهنين الذين يزرعون الشكوك والأوهام في نفوس الناس.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه حينما أراد لقاء الخوارج في موقعة النهراون أن متكهناً قال له: أتلقاهم والقمر في العقرب فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم? وقال له آخر: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار, فقال له علي رضي الله عنه ولم? قال: إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاءٌ وضر شديد, وإن سرت في الساعة التي أشرت عليك بها ظفرت وظهرت وأصبت ما طلبت, فقال علي رضي الله عنه: (ما كان لمحمدٍ منجم ولالنا من بعده, فمن صدَّقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله نداً أو ضداً, اللهم لا خير إلا خيرك, ولا خير إلا خيرك....), ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك, ونسير في الساعة التي تنهانا عنها... ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس: إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر, وإنما المنجم كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار, والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدتك في الحبس ما بقيتَ وبقيتُ, ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان... ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها ولقي القوم فقتلهم وأظهره الله عليهم, ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها - يعني المنجم - وظفرنا وظهرنا لقال قائلٌ: سار في الساعة التي أمر بها المنجم, يا أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به, فإنه يكفي ممن سواه.
والخلاصة: أن عالم الغيب ثلاثة أقسام كما يقول العلماء:
1- قسم تفرد الله بالعلم به واستأثر به لنفسه, كأحوال الآخرة ونعيم القبر وعذابه, وكذلك الروح,...... وإلى هذا القسم أشار القرآن بقوله: (قُل لايَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ).
2- وقسم قابل لأن يكون من عالم الشهادة, ويمكن للمجتهد أن يبحث فيه, لأنه خاضع للتجربة والموازين الحسابية كمسألة الخسوف والكسوف, وأحوال الجو, ونزول المطر... وعلم النجوم للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر, قال تعالى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ), فقد أذن الشارع في تعلم هذا اللون من علوم الغيب, وهو في الحقيقة من علوم الشهادة, وإنما غابت عن أعين الناس, وهو من العلوم التي ينتفع بها في حياة الناس....
3- وقسم ثالث حجبه الشارع عن الناس ولم يأذن فيه لما يترتب عليه من الفتنة في الدين, وغرس الأوهام والشكوك في نفوس الناس, وسيطرة الرعاع والدجالين في أحوال العامة.