هذا في الوقت الذي لم تصدر فيه بعد تصريحات من الدول المهمومة بالملف النووي الكوري, وخاصة من اللجنة السداسية المعنية بهذا الملف وتداعياته.
بداية, لا بد من الإشارة إلى الاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة السداسية التي تضم في عضويتها (روسيا, الصين, أميركا, اليابان, شطري كوريا), قبل شهور قليلة وإثر مفاوضات استمرت سنوات طويلة, ونص على تفكيك كوريا الديمقراطية لمفاعلاتها النووية وتسليم لائحة ببرنامجها النووي, مقابل إمداد الدول الست كوريا الديمقراطية بمصادر الطاقة وبمساعدات اقتصادية وشطبها من القائمة )السوداء( الأميركية بوصفها خطوة نحو تطبيع العلاقات الأميركية والدولية مع كوريا الديمقراطية.
وتنفيذاً لبنود هذا الاتفاق, أقدمت كوريا الديمقراطية على تفكيك أجزاء مهمة من مفاعلها النووي المركزي في يونغبيون, وتدمير جهاز التبريد المركزي في هذا المفاعل, ثم سلمت الصين, بوصفها راعية اللجنة السداسية, لائحة ببرنامجها النووي.
مضى على التزام كوريا الديمقراطية بالاتفاق السداسي عدة شهور, لم تتلق خلالها ردوداً أميركية واضحة, وظلت بيونغ يانغ مدرجة على قائمة دول )محور الشر(, ولم ينتظم توريد إمدادات الطاقة, أو إيصال المساعدات الاقتصادية التي نص عليها الاتفاق.
وعلى الرغم من اللقاءات والحوارات الدائرة بين أطراف اللجنة السداسية حول كيفية الالتزام بنقاط الاتفاق الأخرى, ما بعد تفكيك بيونغ يانغ المفاعلات النووية, (دعت كوريا مراقبين دوليين لمشاهدة تدمير برج التبريد المركزي في يونغبيون), فإن مضي شهور على تنفيذ كوريا الديمقراطية للجزء المتعلق بها من الاتفاق, كان كافياً لأن تتراجع عن التزاماتها بعد أن تراجع الآخرون وبخاصة أميركا عن التزاماتهم. وآثرت الإعلان رسمياً عن إعادة تشغيل مفاعلها النووي المركزي, الذي يؤشر بدوره إلى تنصلها أيضاً من اتفاق سداسي شكل ثمرة مفاوضات استمرت سنوات طويلة.
إن إقدام كوريا الديمقراطية على إعادة تشغيل مفاعلها النووي رسمياً, يشير إلى تعقيدات قادمة في إطار اللجنة السداسية أولاً وإلى صعوبات اقليمية ودولية في العودة إلى الملف الكوري أيضاً.
العالم الذي تعاطى إيجاباً مع تهدئة لإحدى أهم بؤر التوتر, انتظر طويلاً التزاماً من الطرف الأخر باتفاق السداسية, ماطلت واشنطن في تنفيذ , وأصرت على إعادة الأمور إلى مربعها الأول. وأرادت بشكل أو آخر إبقاء منطقة أقصى شرق آسيا خارج إطار الأمن والاستقرار من جهة, أو انتزاع تنازلات من بيونغ يانغ خلافاً لاتفاق اللجنة السداسية, انسجاماً مع كيفية تعامل واشنطن مع بؤر التوتر الأخرى في العالم.
ولهذا يصبح مفهوماً عدم صدور ردات فعل, أو تصريحات ما, من دول اللجنة السداسية أو أن يثير إعادة تشغيل مفاعل بونغبيون ضجة عالمية.
لقد تعاملت واشنطن مع العديد من الملفات الساخنة, انطلاقاً من مصالحها أولاً, ومن حجم الاستفادة الأميركية من هذه الملفات ثانياً, إلا أن الإدارة الأميركية لم تدرك بعد, أن هذا النهج السلبي في التعاطي مع هذه الملفات سيوصل إلى توترات إضافية تضاف إلى المصاعب التي تواجهها الإدارة البوشية في مناطق العالم المختلفة, ومن ضمنها الملف النووي الكوري الديمقراطي.
فقد أثمرت هذه السياسة, وهذا النهج في التعاطي مع الإشكاليات التي يعاني منها عالمنا عن تصادم بين سياسة واشنطن وسياسات الدول الأخرى بدءاً من دول أميركا اللاتينية إلى الملف الجورجي, مروراً بمشروعها الشرق أوسطي الكبير. (هي بمجموعها مؤشرات مهمة حول بدء العد العكسي للنظام العالمي الجديد وللأحادية القطبية الأميركية). وفي هذا السياق ينظر إلى الرد الكوري الديمقراطي الجريء على تعامل واشنطن مع إشكاليات عالمنا, وعدم التزامها بالاتفاقيات المتوازنة التي تحفظ حقوق كل الأطراف أيضاً.
باحث في الشؤون الدولية
batal.m@scs-net.org