و هي معرفة أن رئيس الوزراء السابق طوني بلير و كثيرون آخرون يجب أن يحالوا و على الفور إلى العدالة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وكان زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار يتحدث في البرلمان نيابة عن رئيس الوزراء ديفيدكاميرون الذي أيد- شأنه شأن أغلب أعضاء حزب المحافظين الشريك الأكبر في الائتلاف- مشاركة بريطانيا في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عهد الحكومة العمالية السابقة.
وكان كليغ يقصد بتصريحاته السخرية من وزير الخارجية البريطاني أثناء الغزو جاك شرو. وقال كليغ خلال نقاش حاد على غير المعتاد «أنا سعيد بأن أوضح كل شيء نفعله في هذه الحكومة الائتلافية.. حكومة ائتلافية جمعت حزبين يعملان من أجل المصلحة الوطنية على علاج الفوضى التي خلفها (شرو) وراءه». وأضاف «ربما يتعين علينا أن نتنظر يوماً ما مذكراته لتتسنى محاسبته على دوره في أكثر القرارات كارثية على الإطلاق، أي الغزو غير القانوني للعراق».
هذا، وقد تسبب تصريح كليغ بخضة سياسية وانتقادات طالت رئاسة الوزراء. و أجبر كليغ على توضيح موقفه في مسألة الحرب على العراق، و أصر بأنه يتحدث بصفة شخصية. وقد سارع متحدث باسم رئاسة الحكومة إلى تصويب التصريحات موضحاً أن كليغ كان يعبر عن «وجهة نظر شخصية» ومعروفة منذ زمن، وأضاف المتحدث أن رئيس الحكومة المنبثق عن تحالف «الليبيراليين الديمقراطيين والمحافظين» ديفيد كاميرون «لطالما عبر عن تأييده للتدخل العسكري البريطاني في العراق إلى جانب الولايات المتحدة»، غير أن ذلك لا يعني بأنه لا يحق لأفراد الحكومة من التعبير عن آرائهم الشخصية، و أن لجنة التحقيق في الحرب على العراق تقوم حالياً، ببحث العديد من القضايا المحيطة بمشاركة بريطانيا في الحرب، بما في ذلك الأساس القانوني لها. كما تتطلع الحكومة للحصول على نتائج لجنة التحقيق التي ستصدر قبل نهاية العام الجاري. وتبحث لجنة تحقيق برئاسة المسؤول السابق جون شيلكوت في حرب العراق، لكنها تهدف إلى استخلاص الدروس من الصراع، لا إلى اصدار حكم بشأن مدى شرعيتها.
ويقول أستاذ القانون في جامعة لندن، فيليب ساندز: «من الناحية القانونية، يثير بيان علني صادر عن وزير في الحكومة أمام البرلمان اهتمام المحكمة الدولية في تشكيل الرأي بشأن ما إذا كانت الحرب مشروعة أم لا».
وكان الأمين العام لمجلس الوزراء السيرجوس أودونيل، قد راسل السيرجون شيلكوت في الخامس و العشرين من حزيران الماضي سامحاً للجنة بنشر المزيد من الوثائق المتعلقة بالمشورة القانونية. و لعل أهم هذه الوثائق هي مذكرة تعود إلى الثلاثين من كانون الثاني 2003 صادرة عن المدعي العام في تلك الفترة اللورد غولد سميث وموجهة إلى طوني بلير، وجاء في نص المذكرة « ما زلت أرى أن التفسير الصحيح والقانوني للقرار رقم 1441 الصادر عن مجلس الأمن لا يجيز استخدام القوة العسكرية من دون قرار آخر صادر عن المجلس عينه». وقام غولد سميث بتغيير موقفه من شرعية الحبر في آذار من العام 2003. فبعد زيارة إلى واشنطن، أفاد غولد سميث، لبلير بأن قرار مجلس الآمن قد لايكون ضرورياً، غير أن غزو العراق من دون استصدار قرار دولي قد يؤدي إلى مواجهة بريطانيا للاتهامات أمام محكمة دولية. ثم قام غولد سميث بعد عشرة أيام بإصدار حكم بأن الغزو قانوني.
ومن بين اولئك الذين تم استدعاؤهم من قبل لجنة تحقيق شيلكوت، السفير السابق لدى الامم المتحدة وضابط بالارتباط مع المفتشين الدوليين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وهو (كارن روس). وقد أظهرت شهادته بوضوح أن العراق لم يكن يشكل أي خطر على واشنطن ولندن، و أن العراق لم يكن «يمتلك أسلحة دمار شامل» وليس له أي صلة بتنظيم (القاعدة) وأن «المبالغة» و « التصريحات الخادعة» التي تدور حول الخطر المزعوم للعراق، لم تكن في كليتها سوى محض افتراءات و أكاذيب. و أكد روس: «في نظرية الحرب العادلة و القانون الدولي، كل بلد يتوجب عليه استنفاذ كل الخيارات السلمية قبل اللجوء إلى استخدام القوة. ويبدو أن الحكومة البريطانية لم تلجأ إلى الوسائل غير العسكرية قبل اجتياح 2003».
لقد أتى الاجتياح علىبلد بكامله، أودى بحياة أكثر من مليون انسان، و عبر الهجوم المسبق، قلبت واشنطن ولندن نظاماً يعتبر عقبة في وجه مصالحهما، كما أعدموا زعيمه وسجنوا وقتلوا كل من كان يمت له بصلة. والاحتلال الذي لا يزال جاثماً على صدور العراقيين، يواصل تدمير كل مظاهر الحياة كما أظهرت ذلك الأرقام القياسية لانشتار مرض السرطان، واللوكيميا، وعدد وفيات الأطفال، و التشوهات الخلقية التي سجلت في مدينة الفلوجة. وزد على ذلك. أن الحرب على العراق رافقها سلسلة من التدابير و الاجراءات لإلغاء القوانين الديمقراطية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بذريعة «الحرب على الإرهاب ».
وبما أن كليغ يعلم علم اليقين مثله كمثل بلير ووزراء النافذين والملطخة أيديهم بالدماء، بأنهم لم يكن بمقدورهم مواصلة هدفهم الاجرامي دون دعم فعال من قبل المخابرات و المعارضة المحافظة ووسائل الاعلام وعدد كبير من أصحاب المناصب المحابين، ولهذا السبب تراجع كليغ فوراً عن تصريحاته. وكما أكد موقع (العالم الاشتراكي) على الانترنت، أن التفكير عن الكارثة المروعة التي أصابت الشعب العراقي، بما في ذلك الملاحقة القانونية لمهندسي الاجتياح وهدر الأمور، لا يمكن أن ينجز إلا عبر تعبئة مستقلة للطبقة العاملة ضد حرب امبريالية و النظام الرأسمالي المتسبب بتلك الحرب.
بقلم: جولي هايلاند