(عمِّي) الطاهر وطار كما يحب أن نناديه الذي رحل منذ أيام يشكِّل حالة فريدة بين الروائيين العرب, فهو تارة أديب, وتارة فنان, وتارة سياسي, وتارة قائد عسكري, وتارة محلِّل نفسي؛ وتارة هو شيوعي, وتارة رجل دين. لكنَّه في كل هذه وتلك هو فيلسوف اللحظة الذي كان يخشى فلسفته؛ يخشى فكره النقدي الكثيرَ الكثير من الأدباء والمثقفين. لأنَّ عمِّي الطاهر كان يفكِّر ويشتغل بأخلاقيات المثقَّف الثوري, فهو دائماً على نفير؛ من روايته «اللاز» «الزلزال» «الموت في الزمن الحراشي» »الحوات والقصر» و«تجربة في العشق» «الشمعة والدهاليز» «الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي» و«الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء». وهو دائماً مع الحلول العسكرية وليس السياسية, هو مع فرض الواقع القسري مع السحق وليس مع الهدنة والاتفاق.
في رواياته كما في سلوكه هو ضد السلام إذا لم يكن (حقاً) أو تحقيقاً لعدالة. لذا كانت حياته مليئة بالمعارك, فهو أكثر المثقفين والأدباء المغاربة وحتى المشرقيين تحرُّشاً ب(الرق) الذي يسكن أعماق مدَّعي الحرية/الأحرار حتى لو كانوا على رأس عملهم في إقطاعياتهم. لأنَّ الاستقلالات وما بعد الاستقلالات أفرزت طبقة من المتثاقفين الذين صاروا يمارسون هيمنتهم وتفوقهم كأنَّهم ورثة الحياة أو أصحابها, فشفنا ازدواجيتهم وميلهم للقمع والبطش بخصومهم بحكم المناصب التي يتسنموها, وهذا ماأرعب عمِّي الطاهر وطَّار وأدخله في نوبة جنون؛ إذ كيف لمتثاقف إن في المشرق أو المغرب أو في مشارق الأرض أو مغاربها أن يحوِّل أحاديثه وأفعاله المتَّسمة بالسطحية والغباء والضحالة والكذب والغش والخداع إلى دررٍ وجواهر؟؟.. ويسمِّيها بمسميات أدبية بل ويجنِّسها بأنَّها رواية أو قصيدة شعر أو مسرحية أو .
عمِّي الطاهر وطَّار كما عرفتهُ لايجاملُ وإن كان مخاتلاً لأنَّه لايفرِّط بالحقيقة, وكثيراً مايفاجئك؛ يصفعك بها – الحقيقةُ وأنت في أقصى حالات الوِجْدْ حين لاتتوقَّع منه ذلك, وكأنَّك ترى فيه ذاك «السادي» ولمَ لايكون ذاك الساديَّ وشخصيات رواياته تنهض من داخل المأساة؛ من داخل الهزيمة لتصنع نصرها؟. ولمَ لايكون ذاك السادي وأنت تبقى قارئاً عنده/له تقرأُ رواياته وأنت ترتعد كأنَّك تتعرَّض لصدمةٍ؛ لصعقةٍ كهربائية؟؟. لمَ يكون ذاك السادي وأنت تروي ظمأك للحقيقة بعصير روحه/ عصارة روحه وهو يفلت أمامك- يعتق أمامك احراراً وعبيداً يملؤون رواياته فإذا بهم يسكنونك وهم يبحثون عن النواة الثمينة في أعماقك؛ نواة الحرية؛ نواة الوجود.
الطاهر وطَّار وقد ذهب الآن إلى مقامه الزكي؛ فهو مازال يكتب رواياته بحدسٍ ورؤيةٍ بقدر مافيهما واقعية بقدر مافيهما صوفية واحتراق, لأنَّ الإبداع عنده لحظة(وِجْد). فكما هو سادي هو مازوخي لأنَّه يكتب وهو في أقوى درجات الألم, فيترك الحدث/الصراع يذهب إلى آخر جنونه, يكتب وكأنَّه مصابٌ بحمَّى فكرية لكن كفاتحٍ وليس كغازٍ أو معتد.
anouarm@aloola.sy