هكذا أصبحنا نرى على الفضائيات كل شيء له علاقة بهذا العالم الخيالي،أبطاله من ذهب يملكون كل شيء،يعانون من بعض المشكلات التي تصاحب الرفاهية،وحتى عندما يريد صناع البرامج الانتقال إلى الضفة الأخرى ،حيث الغالبية العظمى من الناس فإنهم ينتقلون بشكل مشوه، ليبدو هذا العالم مزرياً ،مهلهلاً يثير الشفقة ، أصحابه لايعرفون كيف يتصرفون...أو يتعاملون مع الحياة،فيتم التعامل معهم باعتبارهم لايفقهون شيئا طالما أنهم لايمتلكون ما يؤهلهم ليكونوا أبطال الفضائيات!!
مهمة ليست سهلة أن تحاول تقديم الوجه الآخر للحياة،الوجه الذي عتمت عليه الفضائيات كثيرا،أولئك الغارقون في مآس سببها سوء أحوالهم أو مآسٍ قدرية حلت بهم دون أي ذنب...
صحيح أن البرامج الاجتماعية كثيرة وهي تزداد في مختلف الدورات البرامجية الجديدة،لكنها تتحدث بالنيابة عن أصحاب المشكلة الحقيقية،أو تأتي بهم لتعرضهم كحالة يكسبون من خلالها خبطة صحفية، وقلة هي البرامج التي تعرضهم لتساعدهم أو لتقدمهم كنموذج يستحق الاحترام ..
برنامج أميرة الفضل،الذي يعرض على قناة الآن منذ بدايته في أوائل العام وهو يحاول أن يختط روحا مختلفة في عالم البرامج الاجتماعية من خلال جمعه لعدة فقرات تبث ضمن تسلسل منطقي،حتى إنها تبدو وكأنها عدة ملفات لكن مرتبطة ببعضها البعض خلال حلقتين ماضيتين استضافت الكاتبة السورية سمر يزبك لتحل ضيفة على حلقة تناولت أهمية تغيير قانون الأحوال الشخصية في الوطن العربي،ومعاناة المرأة والعقبات التي تجعلها تراوح في مكانها تسد عليها منافذ التطور،إلا بما تراه يلائم تلك المجتمعات المغلقة حد الاختناق،والتي عانت منها الكاتبة نفسها مرتين الأولى لدى طلاقها والثانية عندما استقلت لتثبت ذاتها،ولتقدم نموذجاً مختلفاً عن التميز والاستقلالية المنتجة بل والمبدعة...
حضورها وصدقها والجرأة التي تمتعت بها وهي تتحدث عن تجربتها الشخصية أعطت فكرة عن المرأة الواثقة التي تعرف ماذا تفعل،والى أين تتجه...
وإذا كانت الحلقة التي استضافت الروائية سمر يزبك قد اختارت موضوعا لها قانون الأحوال الشخصية...فإن حلقة الفنانة منى واصف تناولت بعدا آخر يتعلق بنشاط الفنانة في الجانب الإنساني وتحديدا من خلال عملها في جمعية بسمة...
في كل مرة تحل فيها ضيفة تبدو مختلفة،تسعى إلى عدم تكرار أفكارها،تحاول في كل لقاء أن تعطي جديدا..
المتابع للقاءاتها يدرك إلى أي درجة هي فنانة متجددة ..تلتقط نبض الحياة المعاصرة..كان حضورها لافتا من خلال مداخلاتها سواء لدى الضيفة التي تحدثت عن معاناتها لدى فقدانها ابنتها وكيف جعلتها هذه الكارثة تفكر بمساعدة الآخرين،أو لدى استقبال الطفلة التي تمكنت من قهر السرطان،...
تمكن البرنامج من تقديم وجه آخر للفنانة،كما تمكن من تقديم وجه آخر للحياة ..التي يفترض أن تعرض على الفضائيات،ورغم أنه يذهب في هذا الاتجاه الإنساني ،إلا أن مذيعة البرنامج (أميرة الفضل)بخبرتها وحنكتها الإعلامية تتمكن في كل حلقة من أن تدمج ما بين المعاناة وطريقة الخلاص منها،لتحول تلك المعاناة إلى خبرة حياتية يمكن الانفكاك منها...