وقررت أن أتوقف عن الغضب وأن أذهب في مطلع كل شهر إلى البنك العقاري في باب جنين في حلب لقبض راتبي التقاعدي, كنت أقف في الطابور دون غضب وأتقدم إلى الكوة المشكلة على هيئة فم مبتسم .. تدعمها ابتسامة الموظف خلفها وأمد يدي بالهوية.. وأقبض راتبي متجاهلاً القطع المعدنية الباقية.. وأمضي مثل علاء الدين بعد أن اكتشف الكنز.
هذا الشهر اختلفت الآية, ووصلت إلى البنك العقاري في الثانية عشرة والنصف فوجدته مغلقاً ووجدت حشداً من الناس في الطريق والحرارة القادمة إلينا من الهند تشير في منطقة الوقوف إلى مافوق الخمسين, لذلك تقدمت بابتسامة واسعة إلى الباب وسألت الحارس عن أسباب الإغلاق فقال بتجهم صريح: إنها أوامر المدير, فقلت: ولكن الوقت وقت دوام ونحن في مطلع آب اللهاب والبنك منشأة عامة وليست بيتاً للسيد المدير القاعد في غرفته محاطاً بأجهزة التكييف وابتسامات الموظفين البررة. فقال لي الحارس: لا تكثر من الكلام الفاضي واسكت وانتظر, أنا من طرفي سكتُّ ولم أنتظر وقررت الذهاب إلى مصرف آخر حيث قررت زوجتي أن تسأل عن مدخراتها القليلة وعندما وصلت وإياها إلى المصرف المجاور لعبارة سينما حلب, وأيضاً في مدينة حلب, وجدته مغلقاً والساعة لم تجاوز الواحدة والنصف واليوم يوم أحد وهو أول الشهر وعندما قرعت الباب أطل موظف غاضب من كوة حديدية غاضبة وقال لي: الصندوق مغلق, فقلت أريد أن أسأل ولا أريد من الصندوق شيئاً والدوام لم ينته بعد, فقال.. عد في الغد. فقلت بعد كل هذا الحر, يحق لنا أن ندخل ونسأل وأريته نسبة العرق التي تملأ خزاناً وهو يتفصد مني, فقال: هذا الأمر لا يهمني وأغلق باب الكوة في وجهي وتابع ارتشاف هواء المكيف. عند ذلك ضربت باب الكوة من جديد, واضطررت لبعض الغضب الذي حذرت من مغبته أول المقال, وقلت.. عليك أن تهتم أنت ومديرك لأنكم موظفون لخدمتنا, فقال لي - انقلع.. وأغلق باب الكوة السحري ثانية, عندها بدأت أضرب الباب.. فانفتح على مصراعيه وخرج السيد المدير وحده.. وعندما لمحني وعرفني.. حار في أمره وصمت, وحرت في أمري ومضيت وأنا أقول في سري.. المديرون الأفذاذ, يظنون أن المؤسسة التي يديرونها تخصهم وحدهم.. ولا تخص المواطنين وأوطانهم وليس سوى وزير المالية من يحق له أن يغضب مثلنا, ليدفعنا للعودة إلى بيوتنا ونحن نرتجف من السعادة وليس من الغضب.