تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من مكتبة الفضاء.. «دولة شين»..وطــن جديــد.. لدولــة الشـر البشـرية

ثقافة
الثلاثاء 21-11-2017
هفاف ميهوب

كُثرٌ فكَّروا، وفي هذا الزمن الذي باتوا يعيشون فيه عالماً أغرقهم بظلامِ وشرورِ وأحقادِ وهمجية الإنسان، بأن مايقترفه هذا الإنسان قد تجاوز في فظاعته وبشاعته، مايمكن أن يقترفه الشيطان.

نعم، كُثرٌ فكروا في ذلك. لكن، وحدها الأديبة والشاعرة العراقية «وفاء عبد الرزاق» من فكرت فيه بطريقةٍ أبدعت في جعلها ترويه، وعبر النبشِ في أعماق مجتمعاتنا، والكشفِ عما تراكم فيها من انحطاطٍ استشرى في وجودنا إلى أن فتكَ بنا وأطاحَ بقيمِ حياتنا.‏

أبدعت، باستدعاءِ قصة الخلق الأولى وموروثها الديني إلى «دولة شين». روايتها الصادرة حديثاً عن «دار ليندا» بدمشق، والتي تناولت فيها صراع الخير مع الشرِّ.. صراع «الإنسان والشيطان» الأزلي.‏

فعلت ذلك، بعمقِ رؤيتها ودلالاتها الفلسفية، وبما أرادت منه الإشارة إلى ما للإبداعِ من قدرةٍ على تناول الوجود والموجود، بطريقةٍ كونيةٍ-ماورائية.‏

فعلته كما لم يفعلهُ كاتبٌ قبلها، وبتناولها لـ «دولة الشيطنة» الجديدة التي يقودها الشيطان الأكبر المتجسد في الذات «المادية-الشهوانية». أيضاً، التي استفزَّت الشيطان كـ «أول ثائرٍ كوني» سعى لإدانة الإنسان وتقصّي ما يدينه ويثبت بأنه قد تفوق عليه في شروره وغوايته..‏

استفزّته، فجعلته يسعى وبعد أن هبط من المملكة الكبيرة بتهمة العصيان، لجمع الأدلة على أنه أحق بخلافة الأرض من الإنسان. يسعى لذلك وهو يحدث نفسه: «من الغباء مرافقة هؤلاء البائسين الشرسين. خاصة وأن آدميتهم تحوّلت وحوّلتهم إلى ذئابٍ، وأصابعهم إلى مخالبٍ، وألسنتهم مليئة بالأقاويل والكفر وعفونة النميمة».‏

إنه ما اكتشفه، ليقرِّر بعد هذا «الاكتشاف» تدوين ملاحظات حول مارآه وراء أبواب البشر وأرعبتهُ فظاعته. قرّر هذا، عندما نظرَ ذات «فضول» من ثقب أحد الأبواب، فرأى، وصرخ: رأى: «الصديق المطعون، العاشق الذي خانوه، عدوانية نفوس كلّما نضب الشرّ فيها استعادته كي تحافظ على توازنها»..‏

صرخ: «ماهذا العالم المليء بالتناقض. أستغرب من معاشرة القرود للحمير. إنه تزاوج جديد وذرية مشوهة».‏

ويتوالى مايدونه «شين» عما يراهُ خلف كل باب، بادئاً بالباب الأول الذي صعقهُ أن يرى عبر ثقبه: «شابٌ تحكمه غرائزه. يتحول الدين لحظة شهوته، إلى عائقٍ سرعان مايتناساه أمام وحش بداخله، متحدياً بتأثير هذه الشهوة عليه، لحيته الطويلة، وسجادته المهيأة للصلاة».‏

يرى ذلك، فيقع في «حيرة» أمام أبواب الإنسان التي سيطرقها، والتي لا يعرف كيف سيواجه من يتستّرون وراءها: «هزّ رأسه، ليس استغراباً ولكن، شفقة على الضائعين. يتلوّنون بعدة ألوان ويرتدون عدة وجوه.. في النهار يتلون الذكر الحكيم، وحتى إذا ماخلوا لشياطينهم، صاروا أشيطن منها، وبرهاناً للخطيئة والفجور».‏

يا للمخفي وراء الأبواب، فالشيطان يراقب فيرعبهُ تفاقم انحطاطِ الإنسان واستهتاره وفساده وظلامه.. يرعبه مايراهُ من القصص المفجعة التي وجدَ أكثرها قُبحاً: «أكل لحوم المذبوحين نيئة، انتقاماً لعقيدة مخالفة وتكفيراً لأصحابها وإنسانيتهم التي اختارت عقيدة خاصة لاتشك في الله الواحد ولانبيه ولا كل الأنبياء».‏

أمام كل هذا وسواه من الخيانات والشرور والشذوذ والضلال والإجرام والحرام وغيرهم مما لم يعد يحتمل رؤيته.. صارَ يهذي. يكلم نفسه، مسائلاً الأخلاق والدين والضمير، عن السبب الذي جعل البشر يوغلون في شيطنتهم حدّ تفوقهم عليه بعد أن ألبسوه بشاعتهم».‏

«إنها الأرض التي وهبها الله لعباده الأشرار. لذا أصبحت، أرضاً سكرانة بآثامها وتدنست مياهها، كأنهم جنس آخر من الحيوانات، أو سلالة لديناصوراتٍ منقرضة. إنه مرض العصر الجديد».‏

عصرُ الشيطنة التي شكّلت «دولة شين» المحكومة بنوازع الإنسان وشهوته اللاأخلاقية.. ضلاله، فساده، أحقاده، أطماعه، نزواته، خيانته وعقيدته الإجرامية.‏

هذه هي «دولة شين» التي ظلّ الشيطان متفرجاً عليها، ليرى مقدار ماتفوق شياطين البشرية عليه، وعلى مدى مشاهداته لما وراء اثنى عشر باباً ورؤيته لما جعله على يقينٍ، بأن هذه الدولة قد قامت بعد أن:‏

«قويت النفس الشيطانية على السلوك العادي لأعضاء الجسد، وقادته إلى حركاتٍ أكثر نشاطاً، وبثَّت فيه دماً خالصاً لخلق قيمٍ غير مألوفة. مادية، متمادية، قاتلة، مزورة، مسيطرة، ذبّاحة، مرهبة، داعرة، متاجرة بالسلاح والشرف. مترأسة بالترهيب والتعذيب، وجاهزة عند الطلب لجزِّ الرقاب والتهجير والتفخيخ».‏

بالتأكيد، هو مانعيشه في حياتنا ومجتمعاتنا التي تشيطن عالمها. دولة جديدة، لها وزراء وأسماء، وتعلن لأفرادها بأن شعارها:‏

«نحن الوطن الجديد والدولة الجديدة للبشرية. إن صادفتم قلباً ليس شريراً اطعنوه. اجعلوا طاقتكم الكبرى في العنف.. كلّ وزير له أتباع يجلبون الرؤوس لجزِّها، وكلّ عين برقت فيها السعادة افقؤوها. هذا دستورنا، وهذه مملكتنا وشرائعنا، ومن لاينفذ، سيُعتبر مرتداً، وجزاؤه الحرق حياً».‏

ببساطة، هي رواية تدين الإنسان الذي تحوّل في هذا الزمن المتردي، إلى لابشري ومتوحش بربري.. الرواية، التي يرى فيها كلّ من خلع عنه آدميته حقيقته. تلك التي تعيش بيننا وتؤلمنا حدّ إشفاقنا على الشيطان الذي تأمَّل فخجل وصُعقَ وارتعد واستنكر أن تكون كل هذه الشرور بيننا وفينا.‏

لاشك أنها الشرور الأكثر من شيطانية، والتي جعلت «وفاء عبد الرزاق» تستحضر من تسلّح بها إلى «دولة شين» حيث أبشع وجوه البشرية.‏

أخيراً، يقرر «شين» الاكتفاء بمتابعة ماوراء الأبواب، فلقد انتهت مهمته في تدوين ملاحظاتٍ تؤكد لاإنسانية البشر وتدينهم. قرر إلغاء البشر والاحتفاظ بأسماءِ شياطينهم.‏

اكتفى ليُعلن ويدون آخر ملاحظاته: «إنه الطوفان بعينه، وستتوالد الأزمنة، ويتكاثر الأشخاص، ويتناسل الأشرار».‏

يبقى أن نقول: «وفاء عبد الرزاق» شاعرة وقاصة وروائية عراقية، لها العديد من الروايات ودواوين الشعر والقصص القصيرة. دُرِّست دواوينها في عدة دول وحصلت على العديد من الجوائز. أيضاً، تُرجمت بعض أعمالها إلى غالبية اللغات الأجنبية، وشاركت في العديد من المهرجانات الثقافية، العربية والعالمية، وقد قامت بعدة نشاطات ومنحت الكثير من الامتيازات التي منها، تعيينها كسفيرة للثقافة والنوايا الحسنة والسلام بين الشعوب، في منظمات الشرق الأوسط للحقوق والحريات..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية