بعد توقف دام عامين منذ تشرين الأول 2003 وأبرز هذه التساؤلات ..المدى الذي يمكن أن تذهب إليه ردود الأفعال الأميركية والأوروبية لوقف هذه الأنشطة, وبالتالي هل ستكتفي بمجلس الأمن بحثاً عن إإدانة دولية وعقوبات متدرجة كما قرر اجتماع لندن, أم ستذهب إلى الخيار العسكري لضرب المفاعلات الإيرانية وسط أنباء عن نقل أسراب جوية أميركية لقواعد في المنطقة وتهديدات إسرائيلية بهجوم جوي في النصف الأول من العام الحالي.
لقد ردت إيران على التصعيد الغربي بأنها وقعت على معاهدة الحد من الانتشار النووي وبذلك لم تنتهك أي قانون دولي ولم ترتكب أي خطأ تعاقب عليه, بل إن هذه المعاهدة تعطيها الحق الكامل في تخصيب اليورانيوم, وامتلاك التكنولوجيا اللازمة في هذا الخصوص طالما أن هذا التخصيب يهدف إلى الاستخدامات السلمية وتوليد الطاقة وبين التمسك الإيراني بالحق في تخصيب اليورانيوم لأسباب سلمية, والشكوك الغربية في النوايا العسكرية للبرنامج الإيراني, يبدو أن بعض المعطيات ستدفع أميركا لعمل عسكري, وبعضها الآخر لا يساعدها على ذلك وأهم هذه الأسباب التي تقف عقبة أمام الحل العسكري:
- ثمة صعوبة بالغة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية ويعود ذلك لتوزعها في مناطق عديدة وفي أماكن سكنية- 163 مركزاًَ للأبحاث.
-إن قدرة إيران على استهداف القطع البحرية الأميركية في منطقة الخليج بوسائل حربية شتى هي عالية, خصوصاً أن هذه القطع تقف قبالة القطع البحرية الإيرانية مباشرة, وبالتالي سيؤدي إلى وقف الملاحة في خليج هرمز وما يشكله من عمق حيوي لامدادات البترول للغرب.
-تمتلك إيران قدرة ردع عسكرية تستطيع بموجبها أن تضرب أهدافاً أميركية في منطقة الخليج والعراق وحتى تل أبيب بعدما نجحت في تطوير عدة صواريخ أبرزها صاروخ شهاب- 3 الذي يحمل ثلاثة رؤوس حربية دفعة واحدة بشكل يمكنه من تضليل الدفاعات الأرضية والصواريخ المضادة, والذي يصل مداه إلى 1700 كيلو متر, وهو قادر على أن يحمل رؤوساً نووية يمكنها بلوغ الأراضي الإسرائيلية وقواعد أميركية في الشرق الأوسط, وهو ما يعني امتلاك قدرة الرد المؤلم على أي عدوان أميركي أو إسرائيلي عليها.
-تدرك إيران أن قوة ا لولايات المتحدة الأميركية بدأت تتآكل بفعل الضربات الاستنزافية في العراق وأفغانستان كما تدرك طهران أن ثمة ضغوطاً داخلية أميركية كثيفة لوقف التدخل في العالم, ولهذا تتحرك إ يران وفق نظرية أن ثمن الحرب أقل ثمناً من الاستسلام.
-إن الخطط العسكرية التي يجري تداولها أميركيا لا ترقى لدرجة اجتياح الأراضي الإيرانية لصعوبة ذلك, خاصة بعد التجربة العراقية, وفي ضوء حقيقة أن سكان إيران ثلاثة أضعاف العراق وأن لدى الإيرانيين قوة روحية عقائدية ستزيد عنف مقاومتهم وتدفع الجيش العقائدي للاستماتة في الدفاع عن بلاده, ولهذا يجري الحديث عن قصف جوي محدود للمفاعلات الإيرانية, ولكن حتى هذا القصف ستصعب السيطرة عليه من الطرفين, وحتى لو تمت ا لسيطرة على هذا القصف وقصره على رد فعل إيراني سريع بصواريخ تكتيكية ضد إسرائيل فسوف يفتح هذا القصف للمفاعلات الإيرانية بابا واسعاً من الصعب تحديد نتائجه على القوات والنفوذ الأميركيين في العراق و المنطقة.
ثمة طروح أخرى كخيار البديل الإسرائيلي ليقوم بالدور الأميركي المطلوب في قصف محدود للمفاعلات الإيرانية بهدف احتواء رد الفعل الإيراني وعدم اتساع المواجهة في كل المنطقة خاصة في ظل إعلان تل أبيب توصلها بدعم أميركي لنظام صاروخي مضاد للصواريخ الإيرانية ثلاثية الأبعاد, ورغم هذا القصف المحدود لن يكون بالمستطاع احتواء الرد الإيراني عليه.
وما يزيد من ترجيح هذا السيناريو قول عاموس جلعاد كبير المشرفين على الشؤون الاستراتيجية والأمنية في وزارة ا لحرب الإسرائيلية بأن شارون سبق أن وضع الجيش في حالة تأهب تحضيراً لضربة قد يتم شنها في آذار 2006 على مواقع إيرانية كما يزيد أيضاً من ترجيح هذا الخيار قول وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في أكثر من مناسبة ( إن العالم لن يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية, والولايات المتحدة لن تمكنها من ذلك), وتملصها من الإجابة عن سؤال حول عملية عسكرية إسرائيلية محتملة رداً على التهديد الإيراني!
أما الزعم الذي يطرح فكرة التعجيل بضربة إسرائيلية بأسلحة أميركية وبالوكالة عن واشنطن فسيتلخص في وجود تقارير عديدة استخبارية أميركية وإسرائيلية تحذر من أنه إما أن تتم الضربة الآن أو يفوت الأوان, منها تقرير قدم لرئيس الحكومة الإسرائيلية شارون في ايار 2005 تحت عنوان (مستقبل إسرائيل الاستراتيجي), حثه على الإسراع في ضرب المفاعلات النووية الإيرانية قبل أن يكتمل المشروع النووي الإيراني, وتصبح إيران قادرة على إنتاج قنابل وأسلحة نووية خلال عدة أشهر على حد زعم التقرير وتزعم أميركا وإسرائيل أيضاً بأن إيران قد أبطأت جهودها فقط نتيجة عمليات التفتيش, لكنها ستصبح قادرة على إنتاج القنبلة النووية خلال عام 2006 وليس عام .2005
ولكن حتى هذا السيناريو الإسرائيلي غير مضمون العواقب لأن رد الفعل الإيراني غير معروف أولاً, كما أنه قد يكون أكثر تدميراً وشمولاً مما تتوقعه تل أبيب كونه لن يقتصر على الرد بالصواريخ, ولكنه قد يشعل الشرق الأوسط كله.
ربما سيكون سيناريو الحلول الوسط أو البديل الإسرائيلي هو الحل الوحيد أمام إدارة الرئيس بوش. وأغلب الظن أن هذا التصعيد سوف يتوقف عند نقطة معينة ولن يصل إلى الحرب بخاصة أنه لا يوجد دليل على إنتاج إيران لأسلحة نووية وتعتبر مجرد هواجس ومحاسبة للنيات كما حدث مع العراق.
وربما يرجح هذا السيناريو اقتراب انتخابات الكونغرس الأميركية في تشرين الثاني 2006 وتوقع خسارة الجمهوريين والمحافظين الجدد وصعود اسهم رافضي الحروب الأميركية في العالم, فضلاً عن الضغوط الكثيفة مالياً وسياسياً على إدارة بوش وعدم وجود دافع منافسة انتخابية لدى الرئيس جورج بوش بعدما فاز بولاية انتخابية ثانية وأخيرة, فضلاً عن أن خوض أي حرب أخرى قد يشعل المنطقة ويهدد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية لأول مرة في حالة رد الفعل الإيراني العنيف على أي قصف لمنشآتها بما يهدد المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة.
من الصعب حساب الربح والخسارة في تلك الملفات, لاسيما وأن الخيارات باتت تضيق أكثر فأكثر لدى جميع الأطراف, فهل من بيده القرار قد تأكد من أن حساب حقله قد أتى على حساب بيدره? سؤال ينبغي التمعن به كثيراً قبل اتخاذ أي قرار في مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس الأمن.