وكيف تتم مراقبة الأسواق? وهل تخطط الحكومة لإلغاء الدعم للسلع الأساسية? ولماذا التأخر في توزيع مواد البطاقة التموينية لثلاثة أشهر? ولماذا تزداد حالات الغش التجاري? وماذا تفعل وزارة الاقتصاد والتجارة لمراقبة الأسواق?
إنها أسئلة كثيرة يكاد يطرحها الشارع السوري يومياً بعدما اعتاد نمطاً مختلفاً خلال ثلاثة عقود من الزمن وهو ما تحاول هذه الصفحة الأسبوعية ( حماية المستهلك) أصلا الإجابة عليها كبادرة في الصحافة السورية لإضفاء الشفافية على الأسواق وخلق ثقافة جديدة لم نعتد عليها وذلك بالتزامن مع إحداث جمعية حماية المستهلك في دمشق وأخرى في الحسكة وبعدها في باقي المحافظات وصولاً إلى اتحاد جمعيات حماية المستهلك في سورية.
الحلقة الأضعف
ببساطة شديدة فإن تعريف اقتصاد السوق يعتمد على توازن العرض والطلب على السلع والخدمات, فكلما زاد الطلب فإن الثمن يرتفع وبالتالي يزيد العرض ليعود للتوازن وبالعكس إذا انخفض الطلب انخفض الثمن وقل العرض وعاد التوازن من جديد, ومن هنا يصبح السعر هو المحرك الذي يتحكم بالسوق وبكلام آخر المستهلك هو الذي يتحكم في النهاية بتحديد الإنتاج بأنواعه ومقاديره ومن ثم بتوزيع المواد المنتجة على فروع الإنتاج وبالتالي قوى السوق في النظام اقتصاد السوق كلها تعكس رغبات المستهلك.
وهذا ما يحدث في الخارج تماماً حيث عبارة شهيرة يستخدمونها هي ( سيادة المستهلك) أما المستهلك في بلادنا , فإنه أضعف الحلقات في ظل ظروف الأسواق الحالية بينما المستهلك في الخارج هو الموجه للانتاج وللتجارة. وعندما تكتمل عناصر هذه المنظومة لدينا, فإنها ستؤتي ثمارها لصالح المستهلك السوري وعندها لا يوجد احتكار لأحد وتوجد منافسة شريفة وعادلة وكلها لمصلحة المواطن والوطن بآن واحد.
أما في بلادنا فيشير الواقع الراهن إلى أن الدولة تخلت عن دورها بشكل مباشر لصالح القطاع الخاص في عمليات بيع التجزئة ولم تعد لديها سلسلة المجمعات الاستهلاكية والمنافذ التموينية التي يلجأ إليها المواطن لشراء حاجاته بسعر أرخص وجودة أعلى.
وأما استيراد المواد الأساسية كالسكر والرز والشاي عن طريق الدولة فهو أيضاً له مآخذه بسبب الروتين الذي تفرضه الأنظمة في الشراء الخارجي وكما قال السيد الدكتور عامر لطفي وزير الاقتصاد والتجارة يوم السبت الماضي في صحيفة الثورة فإن استدراج العروض عن طريق مؤسسة التجارة الخارجية يحتاج لفترة زمنية تفوق 45 يوماً ومن يتقدم بعرضه يؤسس لوضع أعلى سعر من الحقيقي خوفاً من تغير الأسعار العالمية الخاصة بهما. وهذا يفسر التأخر الدائم لتوزيع مادتي السكر والرز عبر البطاقة التموينية لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر .
المجمعات الاستهلاكية
ما العمل? ..
طالما أنه لم يعد لوزارة الاقتصاد والتجارة دور في تحديد التسعير إنما فقط مراقبة الأسواق بعد التحول لاقتصاد السوق الاجتماعي ولم يعد ممكناً استخدام الآليات السابقة.
فإنه من المهم في هذه المرحلة الانتقالية هو التشديد على إعلان الأسعار وضبط الغش وهما كفيلان بتحسن الواقع الراهن وضبط الأسواق إلى حد مقبول وعندما يتم الإعلان عن سعر معين, فإنه يجب على التاجر أن يلتزم به ليصبح الخيار للمواطن ليقارن مع غيره ويختار ما يناسبه.
ونقول هنا: الجهاز الرقابي وحده لا يكفي فالعام الماضي زادت المخالفات عن 90 ألف مخالفة ولم يتغير الشيء الكثير ولهذا فإن التعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى والشعبية مهم جداً. أما الاهم من ذلك فهو توفير المواد المستوردة من الخارج أو المنتجة محلياً وذلك بمنع الاحتكار وتوسيع دور المنافسة, ومن المهم جداً أن يبقى دور الدولة لاسيما في شراء المواد الأساسية لكن بأسلوب معاصر يتضمن الشراء المباشر وفق البورصات العالمية وللجان خاصة وبسرعة قصوى ويمكن الاستفادة من التجربة المصرية المشابهة في ذلك التي طورت الأسلوب الحكومي وأصبحت تسمح بالشراء خلال 24 ساعة فقط وبأرخص الأسعار.
كذلك لابد من تشجيع المجمعات الاستهلاكية سواء أكانت سلاسل محلية أم عالمية لتغيير النظام التسويقي وتحديثه ومعظم هذه السلاسل يتعامل مع عدد ضخم جداً من السلع الأمر الذي يشجعها على الاكتفاء بهامش ربح معقول وأسعار رخيصة فلماذا لانستفيد من المجمعات الاستهلاكية الحكومية في مثل هذه المشاريع سواء عن طريق فصل الإدارة عن الملكية أو بالمشاركة مع القطاع الخاص أو غير ذلك بما يكفل نجاح هذه الفكرة.
ووحدها أساليب التسويق الحديثة هي التي تساعد على المنافسة وتؤدي إلى تخفيض سعر السلعة مع الابقاء على الأسواق التقليدية ليكون لها أدوار أخرى.
ولن يتحقق اكتمال السوق إلا بتوفير المعلومات للمتعاملين فيها عن الهوامش التسويقية والتكلفة الفعلية, وهذا يحتاج إلى مركز لمعلومات التجارة يضم إضافة للوزارة ممثلين عن غرف التجارة والصناعة والجامعات لتوفير المعلومات التسويقية عن السوق السوري.
فالمزيد من المنافسة واتباع أساليب تسويقية حديثة مع توفير السلع والخدمات وأن تخفض الأسعار بدرجة كبيرة, لصالح المستهلك.
قانون حماية المستهلك
ومن الأمور الهامةاستكمال البنى التشريعية لاقتصاد السوق ومن بينها قانون حماية المستهلك الذي تم الانتهاء من إعداد مشروع خاص به يكفل الحقوق الأساسية التي نصت عليها الأمم المتحدة لهذا المستهلك ويقدم دفعة قوية لجمعيات حماية المستهلك, التي يحق لها بالنيابة عن المستهلكين, إقامة الدعوى على المتسبب في انتهاك حق من حقوقهم.
وتكمن قوة القانون في أنه يقيم لجاناً قضائية تفصل في هذه الدعاوي لتحقيق السرعة في عملية التقاضي , بلا تكلفة على المستهلك, وفي وقت قصير, وحكم هذه اللجنة هو حكم الدرجة الأولى الذي يمكن استئنافه أمام المحكمة المختصة, ويحقق المشروع توازناً في السوق وينظم المنافسة ويمنع الممارسات الاحتكارية.
ويضمن القانون المنتظر للمستهلك حق المعرفة وحق الشكوى, إذا حدث ضرر من السلعة , وحق المقاضاة, كما يضمن سلامة السلعة صحياً وتوافقها , ويكفل حقوق المستهلك في مواجهة الموردين والقانون يجمع في بنوده عدة تشريعات كثيرة بطريقة مباشرة, وكلها ترعى حقوق المستهلك , وكان هناك فراغ تشريعي بشأن كل هذه الأمور.
فإذا كان الاتحاد العام للغرف التجارية ينظم أوضاع التجار ويرعى مصالحهم, وإذا كان اتحاد الصناعات يرعى مصالح الصناع, فإن المستهلك يحتاج إلى رعاية, والجمعيات الناشئة لحماية المستهلك مازال دورها محدوداً للغاية, وليس لها صلاحيات مؤثرة, ولذلك فإن التشريع الخاص بحماية المستهلك مهم جداً لدعم دورها.