الضفة الغربية وغزة أمام الأسواق الإقليمية والعالمية، وتطوير الاقتصاد الفلسطيني، بادعاء من الإدارة الأميركية بأن تلك الخطة ستفضي إلى مضاعفة الناتج الاقتصادي الفلسطيني في غضون سنوات عشر.
وفي الحين الذي تتمسك الولايات المتحدة بالادعاء بنجاح الخطة التي أطلقتها، يؤكد لنا الواقع أنها لم تحظ سوى بتغطية إعلامية تحمل في طياتها الانتقاد وعدم اكتراث المجتمع الدولي بها. لكن ما يثير الاستغراب هو عدم وجود تمثيل للسلطة الفلسطينية أو لحكومة اسرائيل، كما أن الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن لم تفد سوى ممثلين على مستوى متدن.
يقول ترامب إن «صفقة القرن» ستفضي إلى إيجاد حل للمعضلة الفلسطينية -الإسرائيلية، لكن حتى الآن لم نشهد سوى خطة كوشنير الاقتصادية. كما أن أيا من مقترحات صهر ترامب لن تحقق مبتغاها دون معرفة بالخطوط الأساسية للتسوية السياسية، ولاسيما أن خطته تتجاهل عمدا الكثير من الحقائق القائمة على الأرض ولم تشر إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية أو الحصار المفروض على غزة.
يعد الاحتلال الإسرائيلي العقبة الرئيسة أمام تطور الاقتصاد الفلسطيني. إذ كشف البنك الدولي عام 2013 أن القيود المفروضة في الأجزاء التي تسيطر عليها إسرائيل من الضفة الغربية تفقد الاقتصاد الفلسطيني 3.4 مليارات دولار كل عام، أو ما نسبته 35 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011. كما أننا لم نشهد تغييرات منذ ذلك الحين. إذ إن الحصار المطبق على غزة جعل القطاع يرزح تحت أزمة إنسانية طال أمدها.
لا ريب أن ما تتبعه الولايات المتحدة من سياسة سيفضي إلى تضاؤل احتمالات التوصل إلى حل للدولتين الذي نصت عليه قرارات صدرت عن الأمم المتحدة. وقد أوضح كل من كونشير وغيسون غرينبلات، مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط، أنهما غير ملتزمين بالإجماع الدولي. بل تبين بأن السياسة الأميركية في ظل إدارة ترامب تفضل علنا المصالح الإسرائيلية بينما تضيق الخناق على الفلسطينيين، وبدا ذلك على نحو واضح من خلال اعتراف واشنطن بكامل القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة من تل أبيب، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة.وفي ذات الوقت، نجد ترامب يعمد إلى وقف المساعدة الأميركية لوكالة الأنروا ويقطع المساعدة الثنائية للسلطة الفلسطينية، ويغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الأمر الذي أدى إلى فقد الولايات المتحدة مصداقيتها أمام الفلسطينيين باعتبارها وسيطا محايدا للسلام.
وإضافة لما ذكر آنفا، يجب على الاتحاد الأوروبي فرض قيود على الحزمة الاقتصادية التي اقترحها كوشنير تحسبا من أن تفضي إلى تقويض حل الدولتين، الذي لا يزال الأكثر واقعية وقبولا لحل النزاع القائم بين الطرفين. ورغم ما يتبعه الاتحاد الأوروبي من سياسة «التمايز» حيال إسرائيل وذلك باستبعاد الكيانات الاستيطانية من برامج بحثه، ووضع علامة على البضائع المنتجة في المستوطنات، لكن تلك الإجراءات ينظر إليها باعتبارها تطبق على نحو خجول. لذلك فإن تهديدات نتنياهو بالضم يجب أن تشكل حافزا للاتحاد الأوروبي لتشديد إجراءات التمايز، ومنها على سبيل المثال منع البنوك الأوروبية من التعامل المالي مع أشخاص أو مؤسسات تجارية مقامة في الأراضي المحتلة التي تم الاستحواذ عليها.
في ضوء هذا الواقع، يجب على الاتحاد الأوروبي بذل مساعيه الحثيثة لإنهاء حصار غزة الذي يخضع لقيود صارمة فرضتها إسرائيل على حركة الأشخاص والسلع، والصيد البحري، والاستفادة من الأرض الصالحة للزراعة، واستخراج الغاز البحري.
ينبغي أن يترافق الدعم المالي الأوروبي المستقبلي إلى غزة مع دعوات لتخفيف الحصار الذي تطبقه إسرائيل . و يتعين عليه أيضا السعي لتعزيز المصالحة بين الأطراف الفلسطينية. إذ لن تقوم دولة فلسطينية قابلة للحياة دون قيادة موحدة. وبإمكان الاتحاد تقديم حوافز من أمثال المساهمة في دفع ثمن إعادة توحيد الخدمات المدنية الفلسطينية.
مع مرور كل يوم، نجد نتنياهو وترامب يقوضان التوصل إلى حل الدولتين. لكن من خلال تخفيف التوترات يستطيع الاتحاد الأوروبي الحفاظ على هذا الحل. بيد أن ذلك يستوجب تخلي الأوروبيين عن سلبيتهم.