أشكال ومظاهر البيت الدمشقي، من الداخل والخارج معاً (النباتات الشامية وزخارف الشبابيك والشرفات والسجاد والأقمشة والكراسي والطاولات والعناصر التراثية المختلفة) المستمدة من الواقع ومن كل ما تختزنه ذاكرتها من مشاهدات وتأملات, والتي تأخذ أشكال الدوائر والمربعات والمثلثات والإيقاعات الشطرنجية والمساحات والخطوط العفوية المتداخلة.
تحولات تقنية
ولقد برز تحولها في هذا المعرض، من طريقة استخدام الألوان المائية وأقلام الباستيل والشمع وغيرها على الورق المقوى، إلى طريقة الرسم والتلوين باستخدام الألوان الزيتية على الكانفاس، مع المحافظة على خطها الاسلوبي في تجسيد العناصر التعبيرية العفوية والمختصرة والمبسطة, وذلك لأن لوحاتها وبالرغم من مظاهرها العفوية, تبقى مفتوحة على نتائج خبراتها التقنية والتشكيلية المتراكمة،والقادمة من تأملاتها لتحولات وتبدلات وتقلبات وتداخلات وتشابكات ثقافة فنون العصر.
هكذا تظهر مرونة رموزها التعبيرية التلقائية، التي تروي من خلالها حكايتها مع عناصر البيت الشامي بالمختصر المفيد، ومن هنا ولد عنوان المعرض «قصص قصيرة», بعد أن أنجزت هده اللوحات في بلاد الاغتراب, وحملتها معها إلى عاصمة الياسمين دمشق مرتع طفولتها وفتوتها.
وفي قصصها التشكيلية تقدم بعض الحلول التقنية الجديدة المستمدة من تطور لمستها العفوية، وخطوطها الارتجالية,البعيدة كل البعد عن اللوحة الواقعية التقليدية، حيث نجد في أعمالها السابقة والجديدة، منطلقات بحثها الاسلوبي,الذي تكرّس في معارضها الفردية السابقة التي أقامتها داخل سورية وخارجها، وفي مشاركاتها الرسمية والخاصة.
وقصة رولى مع الرسم بدأت من أيام طفولتها الاولى,حين كانت تتأمل الرسومات الموجهة إلى الأطفال, قبل أن تعاود خطوات تشكيل بقايا أحلامها الطفولية المستعادة من عناصر البيت العربي الغني على حد قولها بالزخارف المتواجدة في القيشاني والأقمشة والنوافد والأبواب وفي الأرضيات المرصوفة بالحجارة المتناوبة الألوان، علاوة على الأزهار والنباتات, وكل دلك تقدمه بخطوط وألوان متناهية العفوية والتلقائية.
من الداخل والخارج
مجموعة لوحات جديدة بقياسات مختلفة أبرزت علاقتها المباشرة, وغير المباشرة بجمالية اللوحة الفنية الحديثة, التي تذكرنا بلوحات الفنان الفرنسي الشهير «هنري ماتيس» ولقد أشار الناقد سعد القاسم إلى هذه الناحية، في كلمته المنشورة في دليل المعرض, حيث تتابع مسارها السابق في تقديم لوحات تظهر جمالية الزخرفة العفوية المجسدة باللون، واجواء العمارة الدمشقية القديمة,المكشوفة على الضوء والياسمين والاضاليا والمنثور من الداخل والخارج معاً.
ومن الناحية التشكيلية تتفاوت لوحاتها القادمة من تأملات حركة العناصر والمشاهد والأشكال ما بين التعبيرية والرمزية, حيث تغيب الأشكال عن بعض لوحاتها أو تظهر أجزاء منها، وتبرز تداخلات لونية وخطية مختلفة,في تحولاتها نحو أجواء التشكيل الزخرفي العفوي، المنجز بمناخات لونية متنوعة, كما تهتم بإبراز أضواء الأشكال وشاعريتها وغنائيتها، مؤكدة من جديد حيوية انفتاحها على جمالية اللوحة الفنية الحديثة والمعاصرة، في تنويعاتها التعبيرية المتقاربة والمتداخلة مع هواجسها الطفولية الحية والمتجددة.
وفي أعمالها الأحدث لاتزال تتجه لإظهار كثافة الملمحين التعبيري والطفولي، وتبدو أكثر اتجاهاً في بعض أعمالها نحو التبسيط والاختصار والاختزال، وصولاً إلى طريقة التعبير بحركات خطية سريعة، وهذه الطريقة التعبيرية المتحررة، من قيود الرسم الواقعي والاكاديمي,تجعل العناصر والأشكال، تتجه لإبراز تداعيات الحالة الداخلية الانفعالية في لمسات الخطوط وفسحات اللون.
هندسة لونية
ورولى قوتلي على هذا الأساس تبحث عن تشكيل تعبيري يكشف الجوهر ويبتعد عن المظهر, ولوحاتها تقع ما بين التكوين شبه الهندسي (أقواس، مربعات، مستطيلات، أنصاف دوائر، تقاطعات شاقولية وأفقية) والتكوين العفوي, ومع ذلك، فالتشكيل الهندسي في لوحاتها يتجه لإبراز جمالية التفاعل مع إيقاعات العمارة القديمة المعرضة لمخاطر الاندثار والزوال، فأعمالها المستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية المدن القديمة, أرادت من خلالها توجيه تحية إلى الجمالية الهندسية المترسخة في البنى المعمارية القديمة الباقية في مشاهدات القناطر والمقرنصات والحجارة المتناوبة الألوان والزخارف الهندسية والنباتية والزهور.
ففي لوحاتها تبرز ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لايزال رغم كل الغربة التي نعيشها حيا في نفوسنا وذاكرتنا, كما تظهر تداعيات الحركة الداخلية الانفعالية عبر معطيات اللمسة اللونية العفوية التي تبحث من خلالها عن خصوصية فنية وتشكيلية متميزة.
وفي هندستها المعمارية تقترب من حركة البناء التتابعي العفوي الذي يحول المساحة اللونية إلى إطار ضروري للحد من الرزانة الهندسية الدقيقة حتى لا تقع في الانضباط العقلاني البارد الذي تعمل دائما على تجنبه.
وهذا يعني أن الفنانة رولى تبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعاطفية تنحو إلى هندسة لونية بارزة تعبر بتلقائية عن انفعالات غنائية تصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات خيالية مفتوحة على جمالية عصرية لتنويعات الأقواس المتداخلة في عمارة المدن العربية.
وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ المعماري الشرقي يحتفظ بروح التراث المحلي، رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد عن التدقيق, فالمهم بالنسبة إليها أنها تستعيد إشارات المشهد المعماري المحلي، بالارتداد إلى الداخل لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه بالبوح الانفعالي، ولتنسج علاقة مزدوجة بين العفوية اللونية والملامح الهندسية العفوية أو مايمكن تسميتها بالهندسة اللونية.
facebook.com adib.makhzoum