وهو تحوّل قد يعني القول بأن أوباما يخشى أن يكون الشيء الذي هدّ أو هزّ هيلاري يمكن أن يهدّ أو يهزّ بديلة لها من الجنس الناعم مثل سوزان , ففضل إسناد المنصب المزعج المثير للأعصاب إلى رجل . فمن يدري لعل هيلاري التي أحسّت بأنها ستغادر وزارة الخارجية بعد أن سجلت إخفاقاً لم تكن تتخيله على الإطلاق في تنفيذ السياسة التآمرية المرسومة ضدّ سورية لم تصب بارتجاج في الدماغ وإنما أصيبت بمرض عصبي أو لنقل بانهيار عصبي بحيث لم تصمد ولو لبضعة أيام بعد أن وجدت بأن السهم الأخير والأخطر والأكبر في المؤامرة على سورية قد فشل . والواقع أن هناك من الملاحظات ما يجعلنا نشك بأن السيّدة هيلاري في ممارستها لوظيفتها كانت أقرب إلى ساحرات العصور القديمة أو العصور الوسطى منها إلى إنسانة تتربع على عرش الدبلوماسية لبلد مثل الولايات المتحدة .
حين يمعنُ أحدنا النظر في وجه هيلاري كلينتون , وخاصة حين تكون في وسط نظرائها أو بالأحرى أتباعها , غارقين في البحث عن سبل للإمساك بسورية من تلابيبها , يشعر بأن تلك المرأة لا بدّ وأن تكون متحدّرة من نسل أولئك الساحرات القديمات اللواتي يتخذن في المعارك شكل الغراب الذي لا يكتفي بأنه لا ينعق إلا بالخراب , ولكنه من النوع الجيفي الذي يأكل أشلاء الضحايا .
إنّ الساحرة هيلاري تعتقدُ أنّ بإمكانها من خلال كلمتها التي تخرج من شفتين مزمومتين , والنظرة التي تخرج من عينين مفتوحتين على اتساعهما , أن تتحكم بالآخرين , وأن تسيّرهم وراءها مذعنين . أما من يحتمل أن يتمنعوا أو ترى بأن الحاجة إليهم قد انتهت , فإنها على طريقة الساحرات القديمات تضع ثيابهم في الغسالة مما يعني العزل أو القتل . والحقيقة أن سليلة الساحرات القديمات , حين يتعلق الأمر بالتحكم بأتباعها , لا تحتاج إلى زمّ شفتيها وبحلقة عينيها , فهم جاهزون لتنفيذ أيّ إيماءة أو إشارة تصدر عنها أو عن أيّ موظف صغير في خدمتها . وهؤلاء العملاء هم بشكل عادي في وضعية النعاج أمامها كما أقرّ بعظمة لسانه في محفل جامعة الأعراب حمد بن جاسم آل ثاني .
لماذا تلجأ هيلاري إذن إلى استخدام قواها أو قدراتها السحرية ما دام أتباعها جاهزين على الندهة ؟ .
دعونا نقول إن الأتباع في نظر هيلاري والمجمع الذي تنتمي إليه ينقسمون حصراً إلى نوعين : نعاجٌ وذئاب . أمّا النعاج فمنذورةٌ للتضحية بها على مذبح المصالح الصهيونية والأمريكية , وأما الذئاب فمطلوبٌ منها أن تقتل النعاج لمصلحة أصحاب هذه المصالح .
دعونا نقولُ أيضاً إنه حين قال حمد بن جاسم آل ثاني عن المعتدين على غزة ومن وراءهم بأنهم ليسوا ذئاباً كان يكذب , وحين قال بأنه وبقية الأعراب صاروا نعاجاً كان يكذبُ أيضاً .
إن الحقيقة التي يجب أن ننتبه إليها هي أن هيلاري تلجأ إلى السحر الذي يسمّونه علماً والمستمد من العلوم السلوكية الأمريكية والدراسات المرتبطة بها لتحويل النعاج إلى ذئاب , والأعراب الذين سيطرت عليهم بسحرها لم يعودوا نعاجاً , أو لم يصبحوا نعاجاً , كما يزعمون , لأن النعاج لا تؤذي الآخرين أما هم فقد تحولوا إلى مجرمين سفاحين وقحين . لقد تحوّلوا إلى ذئاب خاطفة تحت سيطرة الساحرة . وكذلك هو حال تنظيم القاعدة الذي تحوّل تحت هذا الاسم أو تحت أسماء أخرى مثل « جبهة النصرة « أو « أنصار الشريعة « أو « فتح الإسلام « وخلاف ذلك من التسميات إلى ذئاب خاطفة وغيلان بشرية في خدمة الساحرة وعصابتها أيضاً . ونستطيع أن نرصدَ حالة التحول من نعجة إلى ذئب حين نرصد سلوك حكومة أردوغان . وهذه هي أيضاً حالة سعد الحريري وزبانيته . كلهم تحوّلوا من نعاج إلى ذئاب وتغوّلوا . وهذا بالضبط هو جوهر الخديعة واللعبة السافلة الوضيعة التي أدارتها الساحرة الأمريكية الفظيعة .
من قرأ « الكتاب المقدّس « بعهديه القديم والجديد , يعرف جيداً ديالكتيك العلاقة بين الخراف البشرية والذئاب البشرية . صحيحٌ أنه يجري الحديث مراراً وتكراراً عن الخراف أو عن « غنم أناس « دون ذكر الذئاب حتى ليظنُّ المرءُ أنه لم تكن توجد في ذلك الزمن ذئاب , أو أن أحداث التوراة كانت تجري في منطقة ليس فيها ذئاب , ولكن أمنيات بعض أنبياء بني إسرائيل في أن يتحول بنو إسرائيل إلى خراف أو غنم أناس يعني الإقرار بأنهم كانوا ذئاباً فظيعة . وحين جاء السيّد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وقال إنه أرسل إلى خراف بني إسرائيل الضالة , فقد كان يتحدث عملياً عن محاولة إخراجهم من الحالة الذئبية التي صاروا إليها وتحويلهم إلى خراف مسالمة . والدليل هو أن هذه الخراف الضالة هي التي صلبته وقالت « دمه علينا وعلى أبنائنا « وفق رواية الأناجيل , أي أنها مارست ذئبيتها في مواجهته .
ما تفعله الساحرة هيلاري الآن أنها تقوم بدور معاكس كلياً للدور الذي جاء من أجله السيد المسيح عليه السلام . فهي تلتقط الخراف لتحوّلها إلى ذئاب , وهي تسلط هذه الذئاب على الخراف الوديعة المسالمة لتفترسها . وهي تفعل ذلك من أجل مصلحة خراف بني إسرائيل الضالة بحالتها الذئبية الصهيونية المسؤولة عن اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها , والساعية إلى التوسع في المنطقة على خلفية أطماعها القائلة بأن « أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل « .
لعل البعض يفترض بأن الساحرة هيلاري ثابت إلى رشدها وقررت التخلي عن سحرها القاتل المدمّر الدموي حين أعلنت أخيراً – وقبل ارتجاج دماغها بأيام قليلة – عن إدراج « جبهة النصرة « على قائمة الإرهاب المعتمدة في وزارة الخارجية الأمريكية . ولكن لماذا لا يكون هذا الفعل الذي اضطرت إليه الساحرة هيلاري بعد أن أوجدت « جبهة النصرة « وكبّرتها « كلّ شبر بندر « لخدمة سياستها الشرّيرة , ولم تصدّق نفسها وقد رأتها قد شبّت ونمت وصار فيها الآلاف بل عشرات الآلاف من عتاة المجرمين تجد نفسها مضطرة لأن تخرجها من قائمة « النعاج الافتراضية الذئبية « التي تساندها بحرارة إلى « قائمة الإرهاب « التي يفترض أن تنبذها بحرارة . فالأم لا يمكن أن تتخلى عن وليدها بمثل هذه البساطة حتى ولو بدا الأمر شكلياً أكثر مما هو حقيقي . ولعل أحاسيس الساحرة هيلاري الأمومية تجاه القاعدة نفسها كانت قد عبّرت عنها قبل ذلك بأشهر طويلة حين ذكرت الناس بأن الولايات المتحدة هي التي أنشأت القاعدة لمواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان , وكأنما هي تعبّر عن حنينها لاستعادة الوليد الأميركي الشقي إلى أحضان أمه الأمريكية بشكل علني . وقد فعلت , فإذا بها تستعيده تحت مسمّى جبهة النصرة ليخرج من يجبرها على التظاهر بالتخلي عنه بعد أن وجدته وكبّرته .
إذا قيل بأن أميركا مهما كان المعبّر عن سياستها الخارجية تخلت عن القاعدة فمن الخير ألا نصدّق هذا الادّعاء . ولنتذكر المثل القائل « يموتُ الزمّار ويده تلعب « . فالساحرة التي تقف وراء القاعدة ووراء « جبهة النصرة « ووراء كل المنظمات الذئبية أو التي تضم الغيلان البشرية لن تتخلى عن هذه الذئاب والغيلان , ولن تتخلى عن لعبتها في تحويل النعاج إلى ذئاب وإطلاقهم على الخراف الوديعة . ولا نظن أن السيدة هيلاري قد ندمت على ما فعلت فهي لم تعلن الندم ولا نظن أنها بصدد إعلان الندم , كما أننا لا نظن بأنها خائفة حقاً على مصير وليدها المتمثل بجبهة النصرة , فطالما أنه كان بوسعها طوال الوقت أن تتعامل مع القاعدة بالسر , فسيبقى بوسع من يعقبها في وزارة الخارجية الأمريكية أن يتعامل مع القاعدة وإفرازاتها مثل جبهة النصرة بالسر , بل إن واقع الحال يقول بأن هذا التعامل كان وسيبقى أقرب إلى العلن منه إلى السر . فلا أحد ممّن يؤدون الخدمات إلى القاعدة إلا ويعمل خادماً للأمريكيين وعميلاً لهم , وليس بوسعه أن يقدم على فعل ما – مهما كان حجمه – دون إيعاز منهم . وإن ادّعى غير ذلك فهو كاذب , وإن ادّعوا غير ذلك فهم كاذبون دجالون . أما إذا قيل بأنها تشعر بالقهر لأنها تغادر وزارة الخارجية الأمريكية وسط مؤشرات على فشل مركب , حيث لا يقف الأمر عند إخفاقها في سورية , فها هي تخشى من فقدان الهيمنة على مصر , وترى كيف تتصاعد الأمور في تونس على نحو لا يخدم السياسة الأمريكية , كما أن الحسابات الأمريكية في اليمن تواجه صعوبات لم تكن في الحسبان , ولا يعتبر الوضع في ليبيا مريحاً . وهي الآن تتخوف من أن تتعرض الأوضاع في تركيا لانفجار النقمة الشعبية على حكومة أردوغان , كما أن الحالة في السعودية والبحرين ليست بالمريحة في ضوء استمرار الاحتجاجات الشعبية رغم تفاقم الإجراءات القمعية . وفوق هذا كله وسواه , فإن الحضور الروسي – الصيني في الساحة الدولية قد أنهى عصر الانفراد الأميركي بعد عقدين من الزمن , كما أن نمو قوة إيران بات يمثل مشكلة حقيقية ليس فقط في الحسابات الأمريكية ولكن فيما هو أهم وأخطر منها في نظر الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة حيث أمن ومصير الكيان الصهيوني بات في نظرهم أهم من أيّ شيء آخر .
ترى هل أحسّت هيلاري وهي تستعدُّ لمغادرة وزارة الخارجية الأمريكية أن حظها كان تعيساً , وتعيساً جداً , بحيث لم تتمكن من تحقيق أيّ شيء ممّا كانت قد عملت على تحقيقه أو حلمت بتحقيقه ؟ . وهل أدركت هيلاري – في لحظة تفكير عميق – أن المؤرخين في المستقبل سيقولون بأن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد قيادة هيلاري لسياستها الخارجية خسرت في المسائل الأساسية كذا وكذا وكذا , ولم تحقق أيّ نصر جوهري ؟ . وهل شعرت هيلاري بأن النعاج التي حولتها إلى ذئاب مفترسة والتي سلطتها على الآخرين فشلت في سوريا وفشلت في غزة ويخشى أن تفشل في جميع المواقع الأخرى ؟ . وإذا كان هذا قد حدث فعلاً , وكل المؤشرات تؤكد أنه حدث بالفعل , ألا يعني أن الساحرة فشلت , وأنه انطبق عليها القول لا يفلح الساحر من حيث أتى ؟ .