فقد سبق أن أعلنا عن ملفات حول موضوعات مختلفة وكان التجاوب جيداً، ولكن الأمر مع هذا الملف كان مختلفاً، بحيث اضطررنا للاعتذار من بعض الكتّاب والنقاد عن عدم إمكانية نشر مساهماتهم لضيق المساحة المخصصة، وهي مساحة نوعية إذ زدنا ثمانية صفحات أخرى إضافية عما يصدر عليه الملحق عادة.
وزكريا تامر الذي يلقبه الكتّاب والنقاد بشيخ شباب كتّاب القصة القصيرة العربية، هو ما دفع لجنة تحكيم الجائزة للإشارة إلى أن منجزه القصصي تجاوز المحلية ووضع فن القصة العربية على تخوم العالمية. كما شبهته اللجنة في تقريرها بموباسان في فرنسا وتشيخوف في روسيا، ورأت أن زكريا تامر بلغ بفن القصة غايات بالغة الأهمية في حياتنا، ومنها التعبير عن التوق الدائم للعدل الاجتماعي والتصدي للقسوة في الإنسان والتسلط في السلطة.
وعلى عكس ما درجت عليه طبيعة الإبداع العربي من تحوّل كتّاب القصة إلى كتابة الرواية، فإن زكريا تامر ظلّ مخلصاً لهذا الفن، وقد لخص موقفه من هذا الأمر بعد نيله الجائزة وذلك في قوله إنه اختار القصة منذ بداية حياته وأنه لم يكتب غيرها ولا ينوي أن يكتب غيرها...لأن القصة بالنسبة إليه شكل فني قادر على التعبير عما يريد قوله.
والمدهش في زكريا تامر أن ما كتبه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يبدو لنا الآن وكأنه كُتب للتو، وهي خصوصية قلما يتمتع بها كاتب آخر، والسبب باعتقادي يكمن في التقنية المتطورة التي اجترحها و خصوصية التعامل مع الزمان و المكان و الشخوص في قصصه.
بعد عامين فقط سنحتفل معاً بعيد ميلاد زكريا تامر الثمانين، والمفرح هنا أنه رغم بلوغه هذه السن فإنه ما يزال متماسكاً نشيطاً كثير الحركة، وحتى هيئته العامة و مشيته هي أميل للشباب منها إلى الشيخوخة كما عهدنا هذا العمر عند غيره..لكن الأهم هنا أن حياته وتفكيره وآراءه ما تزال شابة نضرة وكأنه في العشرينات من عمره، وهذا هو- باعتقادي- سرّ شباب قصته الدائم.
أطال الله عمر زكريا تامر وأبقاه ذخراً للإبداع و المبدعين...
ghazialali@yahoo-com