لم أستطع تجاهل الاحتفال الكبير الذي إقامته شركة «WORLD 21» بإحدى مناسباتها الكبيرة، فاشتريت بطاقة تخولني الاشتراك في السحب الممتاز، فقد أفوز -إذا حالفني الحظ- برحلة أزور فيها جميع فنادق ومطاعم ومنتزهات ومسابح «WORLD 21» الموزعة في قارات الأرض الخمس مجانا لمدة عام كامل، إضافة إلى حصولي على مبلغ بقيمة مليون دولار لاشتري ما أريد من أسواق «WORLD 21» المنتشرة في جميع عواصم العالم ومدنها الكبيرة.
* * *
صعدت إلى الحافلة الفارهة، واسترخيت على مقعد وثير متفحصاً لوحة الأزرار الملونة التي أمامي وأنا أتأمل الأحرف الأجنبية، مخمناً أن التعليمات كتبت بأكثر من أبجدية، بما فيها الأحرف الصينية.
منظر الرجل الجالس أمامي وهو يومئ دون حرج للمرأة الجالسة بجواري، والتي بدورها لم توبخه، أو تظهر غضبها على سبيل المجاز أمام الناس، أو على الأقل تتجاهله، بل ابتسمت له، ثم قامت من مقعدها، وجلست بجانبه، ثم بدأا بخلع ثيابهما بلا مبالاة حتى تعريا تماما، فتشابكت الأيدي، والشفاه، والأرجل. ثم أخذا يمارسان الجنس وهما يطلقان التنهدات والتأوهات المختلطة بضجة الشارع، مع صفير شاب يصفق كلما شاهد سيارة إسعاف.
برغم الصخب والضجيج لم يستيقظ الراكب النائم، فقط نظر سريعا حوله بعين واحدة حوله، ثم أغمض عينيه، فعاد شخيره من جديد.
ثمة رجل يحل الكلمات المتقاطعة لا يفتأ يسأل من حوله عن الأجوبة، مع أن الركاب يتجاهلونه، برغم أنه يعيد أسئلته ذاتها أكثر من مرة:
- فيلسوف عربي أحرقت كتبه في الساحات العامة؟.
قال الرجل الذي اخرج من حقيبة يده شطيرة كبيرة يقطر منها الدهن على ثيابه:
- ديكارت كان يشك حتى في طباخ القيصر!.
أما المرأة البدينة التي تنسج الصوف، فسألت فتاة تجلس في المقعد الذي أمامها:
- يا ابنتي.. كم قطبة تحتاج كنزة بمقاسك؟.
ضحكت الفتاة، وقالت باستعلاء:
- أنا لا أرتدي سوى الجينز.. وأرفض ارتداء الملابس المصنوعة من فراء الحيوانات.. كما لا أستعمل المصوغات العاجية.
وقالت فتاة بجانيها ترتدي تنورة قصيرة:
- يا للعار.. ما زال الناس المتوحشون لا يكفون عن إيذاء الحيوانات المسكينة!.
الطفلة الوحيدة التي في الحافلة كانت تراقب ما يجري حولها بشغف، ثم سألت والدها:
- لماذا المدرسة لا تعلم الصغار سوى الأشياء المملة؟.
أرتبك الأب من سؤال غير متوقع، وقال مفكرا:
- ربما السبب يعود إلى المناهج القديمة.
خاطبه شاب يرتدي سروالا ضيقا دون قميص ليكشف عن وشوم لأفاع برأسين تغطي صدره وظهره ويديه:
- برغم أنني غير مدرس ولم أكمل تعليمي الجامعي.. لكنني مستعد أن أقدم لابنتك بعض المعلومات العامة خارج المناهج التعليمية.
فقال الأب بإعجاب:
- شكرا لكرم أخلاقك.
قالت الفتاة التي ترتدي الجينز:
- لا يجب أن يشكر الإنسان على أداء واجبه المقدس لأن.....
لم أسمع تكملة جملتها لأنني راقبت رجلا ضخما يسدد لكمة لرجل نحيل أبيض الشعر ارتطم من قوة اللكمة بزجاج النافذة التي تلطخت بدمه قبل أن يسقط على أرض الحافلة بلا أدنى نأمة.
تنبهت إلى أن السائق -الذي كان يتنقل طوال الوقت بين المحطات باحثاً عن نشرات الأخبار في شتى الإذاعات- زاد من سرعة الحافلة التي كادت أن تصطدم بالسيارات لولا تغيير مسار الحافلة بسرعة مفاجئة مما أدى إلى دهس بعض المارة.
نظرت خلفي، فلم أر أي شرطي يحاول إيقاف الحافلة التي عرقلت حركة المرور، رغم وجود أكثر من شرطي على تقاطع الطرق جميعها!.
استغربت من أن الركاب يتصرفون بلا مبالاة، كأنه لا يوجد ثمة شيء غير عادي. فلم يحاول أحدهم الاعتراض! أو حتى التساؤل!.
انتابني شعور مرعب لم أحسه من قبل وأنا أتساءل بحيرة غريبة:
- هل من المعقول أنه قد جن الجميع دفعة واحدة وبقيت أنا العاقل الوحيد في هذا العالم؟!!!