وأعلن الدكتور جابر عصفور رئيس لجنة التحكيم للجائزة عن واحد من أعضاء اللجنة الذي سيعلن عن الفائز، آنذاك تقدم محمود الربيعي الذي تألق في بيانه الكاشف عن أهمية من فاز دون أن يفصح عنه. وكانت نهاية ما جاء في تقريره الذي تحول إلى أعلى ما توصل إليه النقد مما يعادل قيمة الكاتب الذي لم يكن سوى زكريا تامر.
واشتعلت أكف الحضور فرحاً وسعادة، وإذا ما تقدم زكريا من المسرح استمر التصفيق إلى لحظة وقف الفائز ليتحدث إلى الجمهور. كان في إيجازه بلاغة تعادل ما كتبه من أعمال وجعلته يفوز بجائزة القصة مرتين. وإذا ما علمنا بأن اللجنة قد منحت له بإجماع الأصوات أدركنا بأن هذا الكاتب الذي اتفق القراء والنقاد الحقيقيون على تتويجه علماً، بل انسحب هذا التكريم على عالم الأدب، وهذا ما حدث في تلك الليلة.
كما وأريد أن أنقل إليكم حجم السعادة التي غمرتنا بنيل زكريا تامر ذلك التكريم الذي أحسست أني وأقراني من أهل الأدب العربي قد أصابنا. هو وسام على صدر زكريا تامر كما هو على صدورنا.
وأسمح لنفسي أن أحكي لكم عن شيء كتبته منذ سنوات في دراسة عن زكريا تامر: «ولد لعائلة دمشقية صبي هزيل أطلق لتوه سعالاً متقطعاً. قالت الداية: الأطفال يبكون ولا يسعلون. وجاء شيخ الجامع وقد سمع لغطاً بين الجيران، لينظر إلى ما يجري فرأى وليداً مقطباً يسعل وداية غاضبة وأهلاً محتارين في اختيار اسم لقادم جديد. قال الشيخ: لا يستحق المولود سوى اسم المشاكس، بينما نصح رجل حكيم الأب أن يطلق على ابنه اسم ابن المقفع، وهمس أستاذ مثقف قليل الكلام في المقهى الذي لا يهدأ له ضجيج بكلمة لم يفهمها أحد فكرر قائلاً «إيزوب». لكن الأب ذهب بعد حيرة إلى دائرة الأحوال المدنية وسجل ابنه باسم «زكريا تامر». وصمم رئيس المخفر أن يحرم الطفل من التعليم ظناً منه أن خطورة ما قد تدور في رأس الطفل ذات يوم. وتعلم زكريا تامر الكتابة دون معلم، وصار يكتب بنزق بارد حكايات أثارت حفيظة ناس كانوا قد بالغوا في الفوضى»
أحييك زكريا تامر، كما أني مدين لك بمتعة أتمنى أن تدهشنا بها دوماً.